الحديث الأربعون والمائة
[حضور الأئمّة عند الموت]
۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن ابن مسكان ، عن عبدالرحيم ، قال : قلت لأبي جعفر : حدّثني صالح بن ميثم ، عن عباية الأسديّ أنّه سمع عليّاً عليه السلام يقول : « واللَّه لا يبغضني أحد أبداً يموت على بغضي إلّا رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبّني أحد أبداً يموت على حبّي إلّا رآني عند موته حيث يحبّ » . فقال : « نعم ، ورسول اللَّه باليمين »۱ .
بيان
إنّ الأخبار بهذا المعنى متظافرة بل كادت أن تكون متواترة ، وفي بعضها : حضور سائر الأئمّة عليهم السلام ، وهو من المشتهرات بين الشيعة ، وإنكار مثل ذلك بمحض استبعاد العقول القاصرة والأفهام الحاسرة ممّا لا ينبغي لأهل الدين والشيعة المؤمنين ، فيجب الإيمان بذلك إجمالاً على ما صدر عنهم عليهم السلام ولا يجب الفحص عن نحو الحضور والكيفيّة .
وأمّا ما ورد من الإشكال هنا من أنّ هذا خلاف الحسّ والعقل :
أمّا أوّلاً فلأنّا نحضر الموتى إلى قبض أرواحهم ولا نرى عندهم أحداً .
وأمّا الثاني فلأنّه يمكن أن يتّفق في آنٍ واحدٍ قبض أرواح آلاف من الناس في مشارق الأرض ومغاربها ، ولا يمكن حضور الجسم في زمان واحد في أمكنة متعدّدة .
فالجواب عنه ، أمّا عن الأوّل فمن وجوه :
الأوّل : أنّ اللَّه تعالى قادر على أن يحجبهم عن أبصارنا لضرب من المصلحة ، ولذلك نظائر كثيرة شهد بها البرهان والوجدان ، وقد ورد من طرق الخاصّة والعامّة في قوله تعالى : « جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا »۲ : أنّ اللَّه تعالى أخفى شخص النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عن أعدائه مع أنّ أولياءه كانوا يرونه۳ .
الثاني : أنّه يمكن أن يكون حضورهم بجسد مثاليّ لطيف لا يراه غير المحتضر كحضور ملك الموت وأعوانه ، وقد ورد في الأموات : أنّ أرواحهم بعد الموت تتعلّق بأجساد مثاليّة لطيفة ، والحيّ من الأئمّة أيضاً لا يبعد تصرّف روحه لقوّته في جسد مثاليّ أيضاً .
الثالث : أنّه يمكن أن يخلق اللَّه لكلّ منهم مثالاً بصورته ، وفي هذه الأمثلة يكلّمون الموتى ويبشّرونهم من قِبَلهم عليهم السلام كما ورد في بعض الأخبار بلفظ التمثيل .
وأمّا الجواب عن الثاني : فإنّ قياس الأئمّة على أشخاصنا قياس مع الفارق ، فإنّ عليهم مسحة من الصفات الإلهيّة ، على أنّا إذا قلنا بحضورهم وهم بأجساد مثاليّة يمكن أن يكون لهم عليهم السلام أجساد مثاليّة كثيرة ، لما جعل اللَّه لهم من القدرة الكاملة التي بها امتازوا عن سائر البشر ، والأحوط والأولى الإيمان بذلك إجمالاً ، وإيكال العلم التفصيليّ إلى اللَّه ورسوله وخلفائه ، واللَّه العالم بالحقيقة .