115
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث التاسع والثلاثون والمائة

[في وعد اللَّه ووعيده‏]

۰.ما رويناه عن الثقة الجليل أحمد بن عبداللَّه البرقيّ في المحاسن ورئيس المحدّثين الصدوق في كتاب التوحيد ، عن محمّد بن الحسن ، عن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن محمّد القاسانيّ ، عمّن ذكره ، عن عبداللَّه بن القاسم الجعفريّ ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام عن آبائه ، قال : « قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : من وعده اللَّه على عمل ثواباً فهو منجزه له ، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار »۱ .

تحقيق‏

قال الصدوق في الاعتقادات :
اعتقادنا في الوعد والوعيد هو : أنّ من وعده اللَّه على عمل ثواباً فهو منجزه له ، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار ؛ إن عذّبه فبعدله ، وإن عفا عنه فبفضله ، وما اللَّه بظلّامٍ للعبيد ، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ »۲ .۳
واعتقادنا في العدل هو : أنّ اللَّه تبارك وتعالى أمرنا بالعدل وعاملنا بما هو فوقه وهو التفضّل ، وذلك أنّه عزّ وجلّ قال : « مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى‏ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ »۴ .۵انتهى .
وقال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد :
العدل : هو الجزاء على العمل بقدر المستحقّ عليه ، والظلم هو منع الحقوق ، واللَّه تعالى كريم جواد متفضّل رحيم ، قد ضمن الجزاء على الأعمال ، والعوض على البلاء۶ من الآلام ، ووعد التفضّل بعد ذلك بزيادة من عنده ، وقال تعالى : « لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى‏ وَ زِيَادَةٌ »۷ ، فخبّر أنّ للمحسن الثواب المستحقّ وزيادة من عنده ، وقال : « مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا » يعني له عشر أمثال ما يستحقّ عليها ، « وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى‏ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ » يريد أنّه لا يجازيه بأكثر ممّا يستحقّه ، ثمّ ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران ، وقال سبحانه وتعالى : « وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى‏ ظُلْمِهِمْ »۸ ، وقال تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ »۹ ، وقال : « قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذَ لِكَ فَلْيَفْرَحُواْ »۱۰ .
والحقّ الذي هو للعبد هو ما جعله اللَّه حقّاً له واقتضاه جود اللَّه وكرمه ، وإن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حقّ ؛ لأنّه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم وأوجب عليهم بها الشكر ، وليس أحد من الخلق يكافى أنعُم اللَّه تعالى عليه بعمل ، ولا يشكره أحد إلّا وهو مقصّر بالشكر عن حقّ النعمة ، وقد أجمع أهل القبلة على أنّ من قال : إنّي وفيت جميع ما للّه علَيّ وكافأت نعمته بالشكر فهو ضالّ ، وأجمعوا على أنّهم مقصّرون عن حقّ الشكر ، وأنّ للّه عليهم حقوقاً لو مدّ في أعمالهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا للَّه سبحانه بما له عليهم ، فدلّ ذلك على أنّ ما جعله حقّاً لهم فإنّما جعله بفضله وجوده وكرمه ، ولأنّ العامل الشاكر خلاف حال من لا عمل له في العقول ، وذلك بأنّ الشاكر يستحقّ في العقول الحمد ، ومن لا عمل له فليس له في العقول حمد ، وإذا ثبت الفضل بين العامل ومن لا عمل له كان ما يجب في العقول من حمده هو الذي يحكم عليه بحقّه ويشار إليه بذلك ، وإذا أوجبت العقول له مزيّة على من لا عمل له كان العدل من اللَّه تعالى معاملته بما جعل في العقول له حقّاً ، وقد أمر تعالى بالعدل ونهى عن الجور ، فقال : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَنِ »۱۱ الآية۱۲ . انتهى .
وقال العلّامة في شرح التجريد :
ذهب جماعة من معتزلة بغداد إلى أنّ العفو جائز عقلاً غير جائز سمعاً ، وذهب البصريّون إلى جوازه سمعاً ، وهو الحقّ ، واستدلّ المصنّف رحمة اللَّه عليه بوجوه ثلاثة :
الأوّل : أنّ العقاب حقّ اللَّه تعالى فحاز تركه فالمقدّمتان ظاهرتان .
الثاني : إنّ العقاب ضرر بالمكلّف ولا ضرر في تركه عن مستحقّه ، وكلّما كان كذلك كان تركه حسناً ؛ أمّا أنّه ضرر بالمكلّف فضروريّ ، وأمّا عدم الضرر في تركه فقطعيّ ؛ لأنّه تعالى غنيّ بذاته عن كلّ شي‏ء ، وأمّا أنّ ترك مثل هذا حسنٌ فضرورة ، وأمّا السمع فالآيات الدالّة على العفو كقوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ »۱۳ فإمّا أن يكون هذان الحكمان مع التوبة أو بدونها ؛ والأوّل باطل ؛ لأنّ الشرك يغفر مع التوبة ، فتعيّن الثاني ، وأيضاً المعصية مع التوبة يجب غفرانها ، [وليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرآنها؛] ولأنّ الواجب لا يعلّق بالمشيّة فما كان يحسن قوله «لمن يشاء» فوجب عود الآية إلى معصية لا يجب غفرانها .
ولقوله تعالى : « وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى‏ ظُلْمِهِمْ »۱۴و«على» يدلّ على الحال أو الغرض ، كما يقال : ضربت زيداً على عصيانه ، أي لأجل عصيانه ، وهو غير مراد هنا قطعاً ، فتعيّن الأوّل ، واللَّه تعالى قد نطق في كتابه العزيز بأنّه عفوٌ غفور وأجمع المسلمون عليه ، ولا معنى له إلّا إسقاط العقاب على المعاصي‏۱۵ . انتهى .

1.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۴۶ ، ح ۲۴۳ ؛ التوحيد ، ص ۴۰۶ ، ح ۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۸۱ ، ح ۱۸۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۵ ، ص ۳۳۴ ، ح ۱ .

2.النساء ( ۴ ) : ۴۸ و۱۱۶ .

3.الاعتقادات ، ص ۶۷ .

4.الأنعام ( ۶ ) : ۱۶۰ .

5.الاعتقادات ، ص ۶۹ .

6.في المصدر : « على المبتدأ من الآلام » .

7.يونس ( ۱۰ ) : ۲۶ .

8.الرعد ( ۱۳ ) : ۶ .

9.يونس ( ۱۰ ) : ۵۸ .

10.النحل ( ۱۶ ) : ۹۰ .

11.تصحيح الاعتقاد ، ص ۱۰۳ - ۱۰۵ .

12.كشف المراد ، ص ۵۶۳ - ۵۶۴ مع اختلاف يسير وزيادة أثبتناها من المصدر .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
114
  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15318
صفحه از 719
پرینت  ارسال به