يَنكَفِئُ حَتّى يَطأ صُماخَها بِأخمُصِهِ، و يُخمِدَ لَهَبَها بِحَدِّهِ، مَكدوداً فی ذاتِ اللّٰه، قَريباً مِن رَسولِ اللّٰه، سَيِّداً فی أولياءِ اللّٰه، و أنتُم فی بُلَهنيَةٍ آمِنونَ وادِعونَ فَرِحونَ، تَتَوكَّفونَ الأخبارَ و تَنكُصونَ عِندَ النُّزّالِ عَلى الأعقابِ، حَتّى أقامَ اللّٰه بِمُحَمَّدٍ عَمودَ الدِّينِ.
و لَمّا اختارَ لَهُ اللّٰه عَزَّ و جَلَّ دارَ أنبيائِهِ و ماوى أصفيائِهِ ظَهَرَت حَسيكَةُ النِّفاقِ، و سَمَلَ جِلبابُ الدِّينِ، و أخلَقَ ثَوبُهُ، و نَحَلَ عَظمُهُ و أودَت رُمَّتُهُ، و ظَهَرَ نابِغٌ، و نَبَغَ خامِلٌ، و نَطَقَ كاظِمٌ، و هَدَرَ فَنیقُ الباطِلِ يَخطُرُ فی عَرَصاتِكُم، و أطلَعَ الشَّيطانُ رَأسَهُ مِن مَغرَزِهِ صارِخاً بِكُم، فَألفاكُم غُضّاباً، فَخَطَمتُم غَيرَ إبِلِكُم، و أورَدتُموها غَيرَ شُربِكُم بِداراً، زَعَمتُم خَوفَ الفِتنَةِ، (ألا فی الفِتنَةِ سَقَطُوا وَ إنَّ جَهَنَّمَ لَمُحيطَةٌ بِالكافِرينَ)۱، هَذا و العَهدُ قَريبٌ و الكَلمُ رَحيبٌ، و الجُرحُ لَمّا يَندَمِل، فَهَيهاتَ مِنكُم و أينَ بِكُم و أنّى تُؤفَكونَ، و كِتابُ اللّٰه بَينَ أظهُرِكُم، زَواجِرَهُ لائِحَةٌ، و أوامِرُهُ لامِحَةٌ، و دَلائِلُهُ واضِحَةٌ، و أعلامُهُ بَيِّنَةٌ، و قَد خالَفتُموهُ رَغبَةً عَنهُ، فَبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً، ثُمَّ لَم تَربِثوا شَعثَها إلّا رَبثَ أن تَسكُنَ نَفرَتُها و يَسلَسَ قيادُها، تُسِرّونَ حَصواً بِارتِغاءٍ، أو نَصرٌ مِنكُم عَلَى مِثلِ حَزِّ المَدَى، و زَعَمتُم أن لا إرثَ لَنا، (أ فَحُكمَ الجاهِليةِ يبغونَ و مَن أحسَنُ مِنَ اللّٰه حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ)۲ (وَ مَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلامِ ديناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ و هُوَ فی الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ).۳
أيهاً مَعشَرَ المُسلِمينَ، أأُبتَزُّ إرثَ أبی يا ابنَ أبی قُحافَةَ؟ أبَى اللّٰه أن تَرِثَ أباکَ و لا أرِثَ أبی؟! (لَقَد جِئتَ شَيئاً فَرِيّاً)۴، جُرأةً مِنكُم عَلى قَطيعَةِ الرَّحِمِ و نَكثِ العَهدِ، فَعَلى عَمدٍ ما تَرَكتُم كِتابَ اللّٰه بَينَ أظهُرِكُم و نَبَذتُموهُ، إذ يَقولُ: (وَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ)۵، و فيما قَصَّ مِن خَبَرِ يَحيى و زَكَرِيّا إذ يَقولُ: (فَهَب لی مِن لَدُنکَ وَليّاً * يَرِثُنی و يَرِثُ مِن آلِ يَعقوبَ و اجعَلهُ رَبِّ رَضيّاً)،۶ (يوصيكُمُ اللّٰه فی أولادِكُم لِلذَّکَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ)،۷ و قال تعالى: