ثُمَّ قالَ: قالَ أبو جَعفَرٍ علیه السلام: «ثُمَّ أنتُم تُحَدِّثونَ بِهِ في الطَّريقِ، فأرَدتُ حَيثُ مَضى صاحِبُكُم أن ألَّفَ أمرَكُم عَلَيكُم لِئَلّا تُضَيِّعوهُ في غَيرَ مَوضِعِهِ، و لا تَسألوا عَنهُ غَيرَ أهلِهِ فَتَكونوا في مَسألَتِكُم إيّاهُم هَلَكتُم، فَكَم دَعيٌّ إلى نَفسِهِ و لَم يَكُن داخِلَهُ، ثُمَّ قُلتُم لا بُدَّ إذا كانَ ذَلِكَ مِنهُ يَثبُتُ عَلى ذَلِكَ و لا يَتَحَوَّلُ عَنهُ إلى غَيرِهِ. قُلتُ: لِأنَّهُ كانَ مِنَ التَّقيَّةِ و الكَفِّ أوَّلاً و أمّا إذ تَكَلَّمَ فَقَد لَزِمَهُ الجَوابُ فيما يَسألُ عَنهُ، فَصارَ الَّذي كُنتُم تَزعُمونَ أنَّكُم تَذَمّونَ بِهِ فَإنَّ الأمرَ مردودٌ إلى غَيرِكُم و إنَّ الفَرضَ عَلَيكُمُ اتِّباعَهُم فِيهِ إلَيكُم فَصَيَّرتُم مَا استَقامَ في عُقولِكُم و آرائِكُم، و صَحَّ بِهِ القياسُ عِندَكُم بِذَلِكَ لازماً، لِما زَعَمتُم مِن أن لا يَصِحَّ أمرُنا زَعَمتُم حَتّى يَكونَ ذَلِكَ عَلَيَّ لَكُم، فَإن قُلتُم إن لَم يَكُن كَذَلِكَ لِصاحِبِكُم فَصارَ الأمرُ إن وَقَعَ إلَيكُم نَبَذتُم أمرَ رَبِّكُم وراءَ ظُهورِكُم (لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ)۱ و ما كانَ بُدٌّ مِن أن تَكونوا كَما كانَ مَن قَبلَكُم قَد أُخبِرتُم أنَّها السُّنَنُ وَ الأمثالُ القُذَّةَ بِالقُذَّةِ و ما كانَ يَكونُ ما طَلَبتُم مِنَ الكَفِّ أوَّلاً و مِنَ الجَوابِ آخِراً شِفاءً لِصُدورِكُم و لا ذَهابَ شَكِّكُم، و ما كانَ بُدٌّ مِن أن يَكونَ ما قَد كانَ مِنكُم، و لا يَذهَبُ عن قُلوبِكُم حَتّى يُذهِبَهُ اللّهُ عَنكُم، و لَو قَدَرَ النّاسُ كُلُّهُم عَلى أن يُحِبّونا و يَعرِفوا حَقَّنا و يُسَلِّموا لِأمرِنا، فَعَلوا، و لَكِنَّ (ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)۲.
فَقَد أجِبتُكُ في مَسائِلَ كَثيرَةٍ، فانظُر أنتَ و مَن أرادَ المَسائِلَ مِنها و تَدَبَّرَها، فإن لَم يَكُن فِي المَسائِلِ شِفاءٌ، فَقَد مَضى إلَيكُم مِنّي ما فيهِ حُجَّةٌ و مُعتَبَرٌ، و كَثرَةُ المَسائِلِ مُعيبَةٌ عِندَنا مَكروهَةٌ، إنَّما يُريدُ أصحابُ المَسائِلِ المِحنَةَ، لِيَجِدوا سَبيلاً إلى الشُّبهَةِ و الضَّلالَةِ، و مَن أرادَ لَبساً لَبِسَ اللّهُ عَلَيهِ و وَكَلَهُ إلى نَفسِهِ، و لا تَرى أنتَ و أصحابُكَ إنّي أجَبتُ بِذَلِكَ، و إن شِئتُ صَمَتُّ، فَذاكَ إلَىَّ لا ما تَقولُهُ أنتَ و أصحابُكَ لا تَدرونَ كَذا و كَذا، بَل لا بُدَّ مِن ذَلِكَ، إذ نَحنُ مِنهُ عَلى يَقينٍ و أنتُم مِنهُ في شَكٍّ».۳