63
میراث مکتوب رضوی

ثُمَّ قالَ: قالَ أبو جَعفَرٍ علیه السلام: «ثُمَّ أنتُم تُحَدِّثونَ بِهِ في الطَّريقِ، فأرَدتُ حَيثُ مَضى صاحِبُكُم أن ألَّفَ أمرَكُم عَلَيكُم لِئَلّا تُضَيِّعوهُ في غَيرَ مَوضِعِهِ، و لا تَسألوا عَنهُ غَيرَ أهلِهِ فَتَكونوا في مَسألَتِكُم إيّاهُم هَلَكتُم، فَكَم دَعيٌّ إلى نَفسِهِ و لَم يَكُن داخِلَهُ، ثُمَّ قُلتُم لا بُدَّ إذا كانَ ذَلِكَ مِنهُ يَثبُتُ عَلى ذَلِكَ و لا يَتَحَوَّلُ عَنهُ إلى غَيرِهِ. قُلتُ: لِأنَّهُ كانَ مِنَ التَّقيَّةِ و الكَفِّ أوَّلاً و أمّا إذ تَكَلَّمَ فَقَد لَزِمَهُ الجَوابُ فيما يَسألُ عَنهُ، فَصارَ الَّذي كُنتُم تَزعُمونَ أنَّكُم تَذَمّونَ بِهِ فَإنَّ الأمرَ مردودٌ إلى غَيرِكُم و إنَّ الفَرضَ عَلَيكُمُ اتِّباعَهُم فِيهِ إلَيكُم فَصَيَّرتُم مَا استَقامَ في عُقولِكُم و آرائِكُم، و صَحَّ بِهِ القياسُ عِندَكُم بِذَلِكَ لازماً، لِما زَعَمتُم مِن أن لا يَصِحَّ أمرُنا زَعَمتُم حَتّى يَكونَ ذَلِكَ عَلَيَّ لَكُم، فَإن قُلتُم إن لَم يَكُن كَذَلِكَ لِصاحِبِكُم فَصارَ الأمرُ إن وَقَعَ إلَيكُم نَبَذتُم أمرَ رَبِّكُم وراءَ ظُهورِكُم (‏لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ‌)۱ و ما كانَ بُدٌّ مِن أن تَكونوا كَما كانَ مَن قَبلَكُم قَد أُخبِرتُم أنَّها السُّنَنُ وَ الأمثالُ القُذَّةَ بِالقُذَّةِ و ما كانَ يَكونُ ما طَلَبتُم مِنَ الكَفِّ أوَّلاً و مِنَ الجَوابِ آخِراً شِفاءً لِصُدورِكُم و لا ذَهابَ شَكِّكُم، و ما كانَ بُدٌّ مِن أن يَكونَ ما قَد كانَ مِنكُم، و لا يَذهَبُ عن قُلوبِكُم حَتّى يُذهِبَهُ اللّهُ عَنكُم، و لَو قَدَرَ النّاسُ كُلُّهُم عَلى أن يُحِبّونا و يَعرِفوا حَقَّنا و يُسَلِّموا لِأمرِنا، فَعَلوا، و لَكِنَّ (‏ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ‌)۲.

فَقَد أجِبتُكُ في مَسائِلَ كَثيرَةٍ، فانظُر أنتَ و مَن أرادَ المَسائِلَ مِنها و تَدَبَّرَها، فإن لَم يَكُن فِي المَسائِلِ شِفاءٌ، فَقَد مَضى إلَيكُم مِنّي ما فيهِ حُجَّةٌ و مُعتَبَرٌ، و كَثرَةُ المَسائِلِ مُعيبَةٌ عِندَنا مَكروهَةٌ، إنَّما يُريدُ أصحابُ المَسائِلِ المِحنَةَ، لِيَجِدوا سَبيلاً إلى الشُّبهَةِ و الضَّلالَةِ، و مَن أرادَ لَبساً لَبِسَ اللّهُ عَلَيهِ و وَكَلَهُ إلى نَفسِهِ، و لا تَرى أنتَ و أصحابُكَ إنّي أجَبتُ بِذَلِكَ، و إن شِئتُ صَمَتُّ، فَذاكَ إلَىَّ لا ما تَقولُهُ أنتَ و أصحابُكَ لا تَدرونَ كَذا و كَذا، بَل لا بُدَّ مِن ذَلِكَ، إذ نَحنُ مِنهُ عَلى يَقينٍ و أنتُم مِنهُ في شَكٍّ».۳

1.. همان: ۵۶.

2.. الرّعد: ۲۷.

3.. رجال‏ الكشّی، ص ۶۰۰، ح ۱۱۲۱.


میراث مکتوب رضوی
62

الَّذي أجابَهُ بِهِ: «بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرَّحيمِ، عافانَا اللّهُ و إيّاكَ، جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فِيهِ الرَّجُلَ الَّذي عَلَيهِ الخيانَةُ وَ العَينُ، تَقولُ: أخَذتُهُ و نَذكُرُ ما تَلقاني بِهِ و تَبعَثُ إلَيَّ بِغَيرِهِ وَ احتَجَجتَ فِيهِ فَأكثَرتَ، و عِبتَ عَلَيهِ أمراً و أرَدتَ الدُّخولَ في مِثلِهِ تَقولُ: إنَّهُ عَمِلَ في أمري بِعَقلِهِ و حيلَتِهِ نَظَراً مِنهُ لِنَفسِهِ و إرادَةَ أن تَميلَ إلَيهِ قُلوبُ النّاسِ؛ لِيَكونَ الأمرُ بِيَدِهِ و إلَيهِ يَعمَلُ فِيهِ بِرأيِهِ، و يَزعَمُ إنّي طاوَعتُهُ فيما أشارَ بِهِ عَلَيَّ و هَذا أنتَ تُشيرُ عَلَيَّ فيما يَستَقيمُ عِندَكَ فِي العَقلِ وَ الحيلَةِ بَعدَكَ لا يَستَقيمُ الأمرُ إلّا بِأحَدِ أمرَينِ: إمّا قَبِلتَ الأمرَ عَلى ما كانَ يَكونُ عَلَيهِ، و إمّا أعطَيتَ القَومَ ما طَلَبوا و قَطَعتَ عَلَيهِم و إلّا فَالأمرُ عِندَنا مُعوَجٌّ، وَ النّاسُ غَيرَ مُسَلِّمينَ ما في أيديهِم مِن مالٍ و ذاهِبونَ بِهِ، فَالأمرُ لَيسَ بِعَقلِكَ و لا بِحيلَتِكَ يَكونُ، و لا تَفعَلِ الَّذي تُجيلُهُ بِالرّأيِ وَ المَشُورَةِ و لَكِنَّ الأمرَ إلَى اللهِ عزّ و جلّ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ يَفعَلُ في خَلقِهِ ما يشاءُ، مَن يَهدِي اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، و مَن يُضلِلهُ فَلا هاديَ لَهُ و لَن تَجِدَ لَهُ مُرشِداً».

فَقُلتُ: و أعمَلُ في أمرِهِم و أحتَلُّ فيهِ؟ و كَيفَ لَكَ الحيلَةُ وَ اللّهُ يَقولُ: (‏وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَا يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا‌)۱ فِي التَّوراةِ وَ الإنجيلِ، إلى قَولِهِ عزّ و جلّ (‏وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ‌)۲. فَلَو تُجيبُهُم فيما سَألوا عَنهُ استَقاموا و سَلَّموا، و قَد كانَ مِنّي ما أنكَرَت و أنكَروا مِن بَعدي و مُدَّ لي لِقائي، و ما كانَ ذَلِكَ مِنّي إلّا رَجاءَ الإصلاحِ؛ لَقولَ أميرِ المُؤمِنينَ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ: «اقتَرِبوا اقتَرِبوا و سَلوا و سَلوا، فإنَّ العِلمَ يُفيضُ فَيضاً». و جَعَلَ يَمسَحُ بَطنَهُ و يَقولُ: «ما مُلِئَ طَعامٌ و لَكِن مَلَأَهُ عَلمٌ و اللّهِ ما آيَةٌ نَزَلَت في بَرٍّ و لا بَحرٍ و لا سَهلٍ و لا جَبَلٍ إلّا أنا أعلَمُها و أعلَمُ فيمَن نَزَلَت». و قَولِ أبي عَبدِ اللّه علیه السلام: «إلَى اللّهِ أشكو أهلَ المَدينَةِ إنَّما أنا فيهِم كالشَّعرِ أتَنَقَّلُ يُريدونَني عَلى أن لا أقولَ الحَقَّ، وَ اللّهُ لا أزالُ أقولُ الحَقَّ حَتّى أموتَ، فَلَمّا قُلتُ حَقّاً أُريد بِهِ حِقنَ دِمائِكُم و جَمعَ أمرِكُم عَلى ما كُنتُم عَلَيهِ أن يَكوَن سِرُّكُم مَكنوناً عِندَكُم غَيرَ فاشٍ في غَيرِكُم و قَد قالَ: رَسولُ اللّه صلی الله علیه و آله سِرّاً أسَرَّهُ اللّهُ إلى جِبريلَ، و أسَرَّهُ جِبريلُ إلى مُحَمَّدٍ و أسَرَّهُ مُحُمّدٌ إلى عَليٍّ ـ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ـ و أسَرَّهُ عَليٌّ إلى مَن شاءَ».

1.. الأنعام: ۳۸.

2.. همان: ۱۱۳.

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9015
صفحه از 212
پرینت  ارسال به