199
میراث مکتوب رضوی

و قالَ عزّ و جلّ لِأهلِ الجَنَّةِ: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ‏‌)، و قالَ عزّ و جلّ: (وَ فَٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَ لَا مَمْنُوعَةٍ‏‌)، فَهوَ جَلَّ و عَزَّ يَعلَمُ ذَلِكَ و لا يَقطَعُ عَنهُم الزّيادَةَ، أ رَأيتَ ما أكَلَ أهلُ الجَنَّةِ و ما شَرِبوا، أ لَيسَ يُخلِفُ مَكانَهُ؟ قالَ: بَلى، قالَ، أ فَيَكونُ يَقطَعُ ذَلِكَ عَنهُم و قَد أخلَفَ مَكانَه؟ قالَ سُلَيمانُ: لا. قالَ: فَكَذَلِكَ كُلُّ ما يَكونُ فيها إذا أخلَفَ مَكانَهُ فَلَيسَ بِمَقطوعٍ عَنهُم، قالَ سُلَيمانُ: بَل يَقطَعُهُ عَنهُم فَلا يَزيدُهُم،‏ قالَ الرِّضا علیه السلام: إذاً يَبيدُ ما فيهِما، و هَذا يا سُلَيمانُ إبطالُ الخُلودِ و خِلافُ الكِتابِ؛ لِأنَّ اللهَ عزّ و جلّ يَقولُ: (لَهُم مَّايَشَاءُونَ فِيهَا وَ لَدَيْنَا مَزِيدٌ‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (وَ مَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (‏خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (وَ فَٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَ لَا مَمْنُوعَةٍ‏‌)، فَلَم يَحِر جَواباً. ثُمَّ قالَ الرِّضا علیه السلام: يا سُلَيمانُ، أ لا تُخبِرُني، عن الإرادَةِ فِعلٌ هيَ أُم غَيرُ فِعلٍ؟ قالَ: بَل هيَ فِعلٌ، قالَ: فَهيَ مُحدَثَةٌ؛ لِأنَّ الفِعلَ كُلَّهُ مُحدَثٌ، قالَ: لَيسَت بِفِعلٍ، قالَ: فَمَعَهُ غَيرُهُ لَم يَزَل، قالَ سُلَيمانُ: الإرادَةُ هيَ الإنشاءُ، قالَ: يا سُلَيمانُ، هَذا الَّذي ادَّعَيتُمُوهُ‏ عَلى ضَرارٍ و أصحابِهِ‏ مِن قَولِهِم إنَّ كُلَّ ما خَلَقَ اللهُ عزّ و جلّ في سَماءٍ أو أرضٍ أو بَحرٍ أو بَرٍّ مِن كَلبٍ أو خِنزيرٍ أو قِردٍ أو إنسانٍ أو دابَّةٍ، إرادَةُ اللهِ عزّ و جلّ، و إنَّ إرادَةَ اللهَ عزّ و جلّ تَحيا و تَموتُ و تَذهَبُ و تَأكُلُ و تَشرَبُ و تَنكِحُ و تَلِدُ و تَظلِمُ و تَفعَلُ الفَواحِشَ و تَكفُرُ و تُشرِكُ، فَتَبَرأُ مِنها و تُعاديها، و هَذا حَدُّها، قالَ سُلَيمانُ: إنَّها كَالسَّمعِ و البَصَرِ و العِلمِ، قَالَ الرِّضا علیه السلام: قَد رَجَعتَ إلى هَذا ثانيَةً، فأخبِرني عن السَّمعِ و البَصَرِ و العِلمِ، أ مَصنوعٌ؟ قالَ سُلَيمانُ: لا، قالَ الرِّضا علیه السلام: فَكَيفَ نَفَيتُموهُ؟‏ فَمَرَّةً قُلتُم لَم يُرِد، و مَرَّةً قُلتُم أرادَ، و لَيسَت‏ بِمَفعولٍ لَهُ، قالَ سُلَيمانُ: إنَّما ذَلِكَ كَقَولِنا مَرَّةً عَلِمَ و مَرَّةً لَم يَعلَم،‏ قالَ الرِّضا علیه السلام: لَيسَ ذَلِكَ سَواءً؛ لِأنَّ نَفيَ المَعلومِ لَيسَ بِنَفيِ العِلمِ، و نَفيُ المُرادِ نَفيُ الإرادَةِ أن تَكونَ؛ لِأنَّ الشَّي‏ءَ إذا لَم يُرَد لَم يَكُن إرادَةٌ، و قَد يَكونُ العِلمُ ثابِتاً و إن لَم يَكُن المَعلومُ بِمَنزِلَةِ البَصَرِ، فَقَد يَكونُ الإنسانُ بَصيراً و إن لَم يَكُن المُبصَرُ، و يَكونُ العِلمُ ثابِتاً و إن لَم يَكُن المَعلومُ،‏ قالَ سُلَيمانُ: إنَّها مَصنوعَةٌ، قالَ علیه السلام: فَهيَ مُحَدَثَةٌ لَيسَت كَالسَّمعِ و البَصَرِ؛ لِأنَّ السَّمعَ و البَصَرَ لَيسا بِمَصنوعَينِ و هَذِهِ مَصنوعَةٌ، قالَ سُلَيمانُ: إنَّها صِفَةٌ مِن صِفاتِهِ لَم تَزَل، قالَ: فَيَنبَغي أن يَكونَ الإنسانُ لَم يَزَل؛ لِأنَّ صِفَتَهُ


میراث مکتوب رضوی
198

قالَ علیه السلام: فَلَيسَ المُريدُ مِثلَ السَّميعِ و البَصيرِ، قالَ سُلَيمانُ: إنَّما أرادَ نَفسُهُ كَما سَمِعَ نَفسُهُ و أبصَرَ نَفسُهُ و عَلِمَ نَفسُهُ، قالَ الرِّضا علیه السلام: ما مَعنى أرادَ نَفسُهُ أرادَ أن يَكونَ شَيئاً أو أرادَ أن يَكونَ حَيّاً أو سَميعاً أو بَصيراً أو قَديراً؟ قالَ: نَعَم، قالَ الرِّضا علیه السلام: أ فَبِإرادَتِهِ كانَ ذَلِكَ؟ قالَ سُلَيمانُ: لا، قالَ الرِّضا علیه السلام: فَلَيسَ لِقَولِكَ أرادَ أن يَكونَ حَيّاً سَميعاً بَصيراً مَعنىً إذا لَم يَكُن ذَلِكَ بِإرادَتِهِ، قالَ سَلَيمانُ: بَلى قَد كانَ ذَلِكَ بِإرادَتِهِ.

فَضَحِكَ المَأمونُ و مَن حَولَهُ، و ضَحِكَ الرِّضا علیه السلام، ثُمَّ قالَ لَهُم: ارفُقوا بِمُتَكَلِّمِ خُراسانَ، يا سُلَيمانُ، فَقَد حالَ عِندَكُم عن حالَةٍ و تَغَيَّرَ عَنها، و هَذا مِمّا لا يُوصَفُ اللهُ عزّ و جلّ بِهِ. فَانقَطَعَ، ثُمَّ قالَ الرِّضا علیه السلام: يا سُلَيمانُ، أسألُكَ مَسأَلَةً؟ قالَ: سَل جُعِلتُ فِداكَ، قالَ: أخبِرني عَنكَ و عن أصحابِكَ، تُكَلِّمونَ النّاسَ بِما يَفقَهونَ و يَعرِفونَ، أو بِما لا يَفقَهونَ و لا يَعرِفونَ؟ قالَ: بَل بِما يَفقَهونَ و يَعرِفونَ،‏ قالَ الرِّضا علیه السلام، فَالَّذي يَعلَمُ النّاسُ أنَّ المُريدَ غَيرُ الإرادَةِ، و أنَّ المُريدَ قَبلَ الإرادَةِ، و أنَّ الفاعِلَ قَبلَ المَفعولِ، و هَذا يُبطِلُ قَولَكُم إنَّ الإرادَةَ و المُريدَ شَي‏ءٌ واحِدٌ، قالَ: جُعِلتُ فِداكَ، لَيسَ ذاكَ مِنهُ عَلى ما يَعرِفُ النّاسُ و لا عَلى ما يَفقَهونَ، قالَ علیه السلام: فَأراكُم ادَّعيتُم عِلمَ ذَلِكَ بِلا مَعرِفَةٍ و قُلتُمُ الإرادَةُ كَالسَّمعِ و البَصَرِ إذا كانَ ذَلِكَ عِندَكُم عَلى ما لا يُعرَفُ و لا يُعقَلُ.

فَلَم يُحِر جَواباً، ثُمَّ قالَ الرِّضا علیه السلام: يا سُلَيمانُ، هَل يَعلَمُ اللهُ عزّ و جلّ جَميعَ ما في الجَنَّةِ و النّارِ؟ قالَ سُلَيمانُ: نَعَم، قالَ: أ فَيَكونُ ما عَلِمَ اللهُ عزّ و جلّ أنَّهُ يَكونُ مِن ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَإذا كانَ حَتّى لا يَبقى مِنهُ شَي‏ءٌ إلّا كانَ، أ يَزيدُهُم أو يَطويهِ عَنهُم؟ قالَ سُلَيمانُ: بَل يَزيدُهُم، قالَ: فَأراهُ في قَولِكَ قَد زادَهُم ما لَم يَكُن في عِلمِهِ أنَّهُ يَكونُ، قالَ: جُعِلتُ فِداكَ، و المَزيدُ لا غايَةَ لَهُ، قالَ علیه السلام: فَلَيسَ يُحيطُ عِلمُهُ عِندَكُم بِما يَكونُ فيهِما إذا لَم يَعرِف غايَةَ ذَلِكَ، و إذا لَم يُحِط عِلمُهُ بِما يَكونُ فيهِما لَم يَعلَم ما يَكونُ فيهِما قَبلَ أن يَكونَ، تَعالى اللهُ عن ذَلِكَ عُلُوّاً كَبيراً، قالَ سُلَيمانُ: إنَّما قُلتُ لا يَعلَمُهُ لِأنَّهُ لا غايةً لِهَذا؛ لِأنَّ اللهَ عزّ و جلّ وَصَفَهُما بِالخُلودِ، و كَرِهنا أن نَجعَلَ لَهُما انقِطاعاً، قالَ الرِّضا علیه السلام: لَيسَ عِلمُهُ بِذَلِكَ بِموجِبٍ لِانقِطاعِهِ عَنهُم؛ لِأنَّهُ قَد يَعلَمُ ذَلِكَ ثُمَّ يَزيدَهُم ثُمَّ لا يَقطَعُهُ عَنهُم، و كَذَلِكَ قالَ اللهُ عزّ و جلّ في كِتابِهِ: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا ٱلْعَذَابَ‏‌)،

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9032
صفحه از 212
پرینت  ارسال به