197
میراث مکتوب رضوی

قَوماً سَألوا أبي موسى بنَ جَعفَرٍ علیه السلام عن البَداءِ، فَقالَ: و ما يُنكِرُ النّاسَ مِنَ البَداءِ و أن يَقِفَ اللهُ قَوماً يُرجيهِم لِأمرِهِ.

قالَ سُلَيمانُ: أ لا تُخبِرُني عن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ‏. في أيِّ شَي‏ءٍ أُنزِلَت؟ قالَ الرِّضا: يا سُلَيمانُ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللهُ عزّ و جلّ فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلى السَّنَةِ مِن حَياةٍ أو مَوتٍ أو خَيرٍ أو شَرٍّ أو رِزقٍ، فَما قَدَّرَهُ مِن تِلكَ اللَّيلَةِ فَهوَ مِنَ المَحتومِ، قالَ سُلَيمانُ: الآنَ قَد فَهِمتُ جُعِلتُ فِداكَ، فَزِدني، قالَ علیه السلام: يا سُلَيمانُ، إنَّ مِنَ الأُمورِ أُموراً مَوقوفَةً عِندَ اللهِ تَبارَكَ و تَعالى، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ و يُؤَخِّرُ ما يَشاءُ. يا سُلَيمانُ، إنَّ عَليّاً علیه السلام كانَ يَقولُ: العِلمُ عِلمانِ، فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللهُ مَلائِكَتَهُ و رُسُلَهُ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ و رُسُلَهُ فَإنَّهُ يَكونُ، و لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ و لا مَلائِكَتَهُ و لا رُسُلَهُ، و عِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ لَم يُطلِعْ عَلَيهِ أحَداً مِن خَلقِهِ،‏ يُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ و يُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ، و يَمحو ما يَشاءُ و يُثبِتُ‏ ما يَشاءُ.

قالَ سُلَيمانُ لِلمَأمونِ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، لا أُنكِرُ بَعدَ يَومي هَذا البَداءَ و لا أُكَذِّبُ بِهِ إن شاءَ اللهُ.‏ فَقالَ المَأمونُ: يا سُلَيمانُ: سَل أبا الحَسَنِ عَمّا بَدا لَكَ، و عَلَيكَ بِحُسنِ الاستِماعِ و الإنصافِ، قالَ سُلَيمانُ: يا سَيِّدي أسألُكَ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: سَل عَمّا بَدا لَكَ، قالَ: ما تَقولُ فيمَن جَعَلَ الإرادَةَ اسماً و صِفَةً، مِثلَ حَيٍّ و سَميعٍ و بَصيرٍ و قَديرٍ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: إنَّما قُلتُم: حَدَثَتِ الأشياءُ و اختَلَفَت لِأنَّهُ شاءَ و أرادَ، و لَم تَقولوا: حَدَثَت و اختَلَفَت؛ لِأنَّهُ سَميعٌ بَصيرٌ، فَهَذا دَليلٌ على أنَّها لَيسَت بِمِثلِ سَميعٍ و لا بَصيرٍ و لا قَديرٍ، قالَ سُلَيمانُ: فَإنَّه لَم يَزَل مُريداً، قالَ: يا سُليَمانُ، فَإرادَتُهُ غَيرُهُ؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فَقَد أثبَتَّ مَعَهُ شَيئاً غَيرَه لَم يَزَل، قالَ سُلَيمانُ: ما أثبَتُّ، قالَ الرِّضا علیه السلام: أ هيَ مُحَدَثَةٌ؟ قالَ سُلَيمانُ: لا، ما هيَ مُحَدَثَةٌ، فَصاحَ بِهِ المَأمونُ و قالَ: يا سُلَيمانُ، مِثلُهُ يُعايا أو يُكابَرُ؟ عَلَيكَ بِالإنصافِ، أ ما تَرى مَن حَولَكَ مِن أهلِ النَّظَرِ. ثُمَّ قالَ: كَلِّمهُ يا أبا الحَسَنِ فَإنَّهُ مُتَكَلِّمُ خُراسانَ فأعادَ عَلَيهِ المَسألَةَ، فَقالَ: هيَ مُحدَثَةٌ يا سُلَيمانُ؛ فَإنَّ الشَّي‏ءَ إذا لَم يَكُن أزَليّاً كانَ مُحدَثاً، و إذا لَم يَكُن مُحدَثاً كانَ أزليّاً، قالَ سُلَيمانُ: إرادَتُهُ مِنهُ، كَما أنَّ سَمعَهُ مِنهُ و بَصَرَهُ مِنهُ و عِلمَهُ مِنهُ، قالَ الرِّضا علیه السلام: فَإرادَتُهُ نَفسُهُ؟ قالَ: لا،


میراث مکتوب رضوی
196

عِمرانُ: ذَلِكَ إلَيهِ.

فَدَخَلَ الرِّضا علیه السلام، فَقالَ: في أيِّ شَي‏ءٍ كُنتُم؟ قالَ عِمرانُ: يا بنَ رَسولِ اللهِ، هَذا سُليمانُ المَروَزيُّ، فَقالَ سُلَيمانُ: أ تَرضى بِأبي الحَسَنِ و بِقَولِهِ فِيهِ؟ قالَ عِمرانُ: قَد رَضيتُ بِقَولِ أبي الحَسَنِ في البَداءِ عَلى أن يَأتيَني فِيهِ بِحُجَّةٍ أحتَجُّ بِها عَلى نُظَرائي مِن أهلِ النَّظَرِ. قالَ المَأمونُ: يا أبا الحَسَنِ. ما تَقولُ فيما تَشاجَرا فِيهِ؟ قالَ: و ما أنكَرتَ مِنَ البَداءِ يا سُلَيمانُ و اللهُ عزّ و جلّ يَقولُ: (أَوَ لَا يَذْكُرُ ٱلاْءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (وَ هُوَ ٱلَّذِى يَبْدَؤُا ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏. و يَقولُ: (بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَ ٱلْأَرْضِ‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاءُ‏‌)، و يَقولُ: (وَ بَدَأَ خَلْقَ ٱلاْءِنسَانِ مِن طِينٍ‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (وَ ءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ‏‌)، و يَقولُ عزّ و جلّ: (وَ مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِى كِتَابٍ‏‌)؟ قالَ سُلَيمانُ: هَل رَوَيتَ فِيهِ شَيئاً عن آبائِكَ؟ قالَ: نَعَم، رَوَيتُ عن أبي عَبدِ اللهِ علیه السلام أنَّهُ قالَ: إنَّ لِلهِ عزّ و جلّ عِلمَينِ، عِلماً مَخزوناً مَكنوناً لا يَعلَمُهُ إلّا هوَ، مِن ذَلِكَ يَكونُ البَداءُ، و عِلماً عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ و رُسُلَهُ، فَالعُلَماءُ مِن أهلِ بَيت نَبيِّهِ يِعلَمونَهُ،‏ قالَ سُلَيمانُ: أُحِبُّ أن تَنزِعَهُ لي مِن كِتابِ اللهِ عزّ و جلّ، قالَ علیه السلام: قَولُ اللهِ عزّ و جلّ لِنَبيِّهِ صلی الله علیه و آله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ‏. أرادَ هَلَاكَهُم، ثُمَّ بَدا لِلهِ فَقالَ: (وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ‏‌)، قالَ سُلَيمانُ: زِدني جُعِلتُ فِداكَ، قالَ الرِّضا علیه السلام: لَقَد أخبَرَني أبي عن آبائِهِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلی الله علیه و آله قالَ: إنَّ اللهَ عزّ و جلّ أوحى إلى نَبيٍّ مِن أنبيائِهِ أن أخبِر فُلانَ [فُلاناً] المَلِكَ أنّي مُتَوفّيهِ إلى كَذا و كَذا، فَأتاهُ ذَلِكَ النَّبيُّ فَأخبَرَهُ، فَدَعا اللهَ المَلِكُ و هوَ عَلى سَريرِهِ حَتّى سَقَطَ مِنَ السَّريرِ، فَقالَ: يا رَبِّ، أجِّلني حَتّى يَشِبَّ طِفلي و أقضيَ أمري، فَأوحى اللهُ عزّ و جلّ إلى ذَلِكَ النَّبيِّ أن ائتِ فُلانَ [فُلاناً] المَلِكَ‏ فَأعلِمهُ أنّي قَد أنسَيتُ في أجَلِهِ و زِدتُ في عُمُرِهِ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً، فَقالَ ذَلِكَ النَّبيُّ: يا رَبِّ، إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي لَم أكذِب قَطُّ، فَأوحى اللهُ عزّ و جلّ إلَيهِ: إنَّما أنتَ عَبدٌ مَأمورٌ، فَأبلِغهُ ذَلِكَ (وَ اللّٰهُ لٰا يَسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ‏‌).

ثُمَّ التَفَتَ إلى سُلَيمانَ فَقالَ: أحسَبُكَ ضاهَيتَ اليَهودَ في هَذا البابِ، قالَ: أعوذُ بِاللهِ مِن ذَلِكَ و ما قالَت اليَهودُ. قالَ: قالَت (يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ‌)؛ يَعنونَ أنَّ اللهَ قَد فَرَغَ مِنَ الأمرِ، فَلَيسَ يُحدِثُ شَيئاً، فَقالَ اللهُ عزّ و جلّ: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا‏‌). و لَقَد سَمِعتُ

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9048
صفحه از 212
پرینت  ارسال به