مِن شَيءٍ، أفَهِمتَ يا عِمرانُ؟ قالَ: نَعَم، يا سَيِّدي قَد فَهِمتُ، و أشهَدُ أنَّ اللهَ عَلى ما وَصَفتَهُ و وَحَّدتَهُ، و أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ المَبعوثُ بِالهُدى و دِينِ الحَقِّ. ثُمَّ خَرَّ ساجِداً نَحو القِبلَةِ و أسلَمَ.
قالَ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّوفَليُّ: فَلَمّا نَظَرَ المُتَكَلِّمونَ إلى كَلامِ عِمرانَ الصّابِئِ و كانَ جَدِلاً لَم يَقطَعُهُ عن حُجَّتِهِ أحَدٌ قَطُّ، لَم يَدنُ مِنَ الرِّضا علیه السلام أحَدٌ مِنهُم و لَم يَسألوهُ عن شَيءٍ، و أمسَينا. فَنَهَضَ المَأمونُ و الرِّضا علیه السلام فَدَخَلا، و انصَرَفَ النّاسُ، و كُنتُ مَعَ جَماعَةٍ مِن أصحابِنا إذ بَعَثَ إلَيَّ مُحَمَّدُ بنُ جَعفَرٍ فَأتيتُهُ، فَقالَ لي: يا نَوفَليُّ، أ ما رَأيتَ ما جاءَ بِهِ صَديقُكَ، لا و اللهِ ما ظَنَنتُ أنَّ عَليَّ بنَ موسى خاضَ في شَيءٍ مِن هَذا قَطُّ و لا عَرَفناهُ بِهِ، أنَّهُ كانَ يَتَكَلَّمُ بِالمَدينَةِ أو يَجتَمِعُ إلَيهِ أصحابُ الكَلامِ. قُلتُ: قَد كانَ الحاجُّ يَأتونَهُ فَيَسألونَهُ عن أشياءَ مِن حَلالِهِم و حَرامِهِم فُيُجيبُهُم، و كَلَّمَهُ مَن يَأتيه لِحاجَةٍ. فَقالَ مُحَمَّدُ بنُ جَعفَرٍ: يا أبا مُحَمَّدٍ، إنّي أخافَ عَلَيهِ أن يَحسُدَهُ هَذا الرَّجُلُ فَيَسُمَّهُ أو يَفعَلَ بِهِ بَليَّةً، فَأشِر عَلَيهِ بِالإمساكِ عن هَذِهِ الأشياءِ، قُلتُ: إذاً لا يَقبَلُ مِنّي، و ما أرادَ الرَّجُلُ إلّا امتِحانَهُ لِيَعلَمَ هَل عِندَهُ شَيءٌ مِن عُلومِ آبائِهِ علیهم السلام. فَقالَ لي: قُل لَهُ إنَّ عَمَّكَ قَد كَرِهَ هَذا البابَ، و أحَبَّ أن تُمسِكَ عن هَذِهِ الأشياءِ لِخِصالٍ شَتّى.
فَلَمّا انقَلَبتُ إلى مَنزِلِ الرِّضا علیه السلام أخبَرتُهُ بِما كانَ مِن عَمِّهِ مُحَمَّدِ بنِ جَعفَرٍ، فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قالَ: حَفِظَ اللهُ عَمّي ما أعرَفَني بِهِ، لِمَ كَرِهَ ذَلِكَ؟ يا غُلامُ، صِر إلى عِمرانَ الصّابِئِ فَأتِني بِهِ، فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ، أنا أعرِفُ مَوضِعَهُ، هوَ عِندَ بَعضِ إخوانِنا مِنَ الشّيعَةِ، قالَ علیه السلام: فَلا بَأس، قَرِّبوا إلَيهِ دابَّةً.
فَصِرتُ إلى عِمرانَ فَأتَيتُهُ بِهِ، فَرَحَّبَ بِهِ و دَعا بِكِسوَةٍ فَخَلَعَها عَلَيهِ، و حَمَلَهُ، و دَعا بِعَشَرَةِ آلافِ دِرهَمٍ فَوَصَلَهُ بِها، فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ، حَكَيتَ فِعلَ جَدِّكَ أميرِ المُؤمِنينَ علیه السلام، فَقالَ: هَكَذا نُحِبُّ. ثُمَّ دَعا علیه السلام بِالعَشاءِ فَأجلَسَني عن يَمينِهِ، و أجلَسَ عِمرانَ عن يَسارِهِ، حَتّى إذا فَرَغنا قالَ لِعِمرانَ: انصَرِف مُصاحِباً و بَكِّر عَلَينا نُطعِمكَ طَعامَ المَدينَةِ. فَكانَ عِمرانُ بَعدَ ذَلِكَ يَجتَمِعُ عَلَيهِ المُتَكَلِّمونَ مِن أصحابِ المَقالاتِ فَيُبطِلُ أمرَهُم، حَتّى اجتَنَبوهُ. و وَصَلَهُ المَأمونُ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرهَمٍ، و أعطاهُ الفَضلُ مالاً