اللّهُ عزّ و جلّ لَها في إدراكِها، و الفَهمُ مِنَ القَلبِ بِجَميعِ ذَلِكَ كُلِّه. و اعلَم أنَّ الواحِدَ الَّذي هوَ قائِمٌ بِغَيرِ تَقديرٍ و لا تَحديدٍ خَلَقَ خَلقاً مُقَدَّراً بِتَحديدٍ و تَقديرٍ، و كانَ الَّذي خَلَق خَلقَينِ اثنَينِ التَّقديرُ و المُقَدَّرُ فَلَيسَ في كُلِّ واحِدٍ مِنهُما لَونٌ و لا ذَوقٌ و لا وَزنٌ، فَجَعَلَ أحَدَهُما يُدرَكُ بِالآخَرِ، و جَعَلَهُما مُدرَكَينِ بِأنفُسِهِما، و لَم يَخلُق شَيئاً فَرداً قائِماً بِنَفسِهِ دونَ غَيرِهِ لِلَّذي أرادَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى نَفسِهِ و إثباتِ وُجودِهِ، و اللّهُ تَبارَكَ و تَعالى فَردٌ واحِدٌ لا ثانيَ مَعَهُ يُقيمُهُ و لا يَعضُدُهُ و لا يُمسِكُهُ، و الخَلقُ يُمسِكُ بَعضُهُ بَعضاً بِإذنِ اللّهِ و مَشيَّتِهِ، و إنَّما اختَلَفَ النّاسُ في هَذا البابِ حَتّى تاهوا و تَحَيَّروا، و طَلَبوا الخَلاصَ مِنَ الظُّلمَةِ بِالظُّلمَةِ في وَصفِهِم اللهَ بِصِفَةِ أنفُسِهِم، فَازدادوا مِنَ الحَقِّ بُعداً، و لَو وَصَفوا اللّهَ عزّ و جلّ بِصِفاتِهِ و وَصَفوا المَخلوقينَ بِصِفاتِهِم، لَقالوا بِالفَهمِ و اليَقينِ، و لَما اختَلَفوا، فَلَمّا طَلَبوا مِن ذَلِكَ ما تَحَيِّروا فِيهِ ارتَبَكوا (وَ ٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أشهَدُ أنَّهُ كَما وَصَفتَ، و لَكِن بَقِيَت لي مَسألَةٌ، قالَ: سَل عَمّا أرَدتَ، قالَ: أسألُكَ عن الحَكيمِ في أيِّ شَيءٍ هوَ، و هَل يُحيطُ بِهِ شَيءٌ، و هَل يَتَحَوَّلُ مِن شَيءٍ إلى شَيءٍ، أو بِهِ حاجَةٌ إلى شَيءٍ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: أُخبِرُكَ يا عِمرانُ فَاعقِل ما سَألتَ عَنهُ، فَإنَّهُ مِن أغمَضِ ما يَرِدُ عَلى المَخلوقينَ في مَسائِلِهِم، و لَيسَ يَفهَمُهُ المُتَفاوِتُ عَقلُهُ العازِبُ عِلمُهُ، و لا يَعجِزُ عن فَهمِهِ أُولو العَقلِ المُنصِفونَ؛ أمّا أوَّلُ ذَلِكَ فَلَو كانَ خَلَقَ ما خَلَقَ لِحاجَةٍ مِنهُ، لَجازَ لِقائِلٍ أن يَقولَ: يَتَحَوَّلُ إلى ما خَلَقَ لِحاجَتِهِ إلى ذَلِكَ، و لَكِنَّهُ عزّ و جلّ لَم يَخلُق شَيئاً لِحاجَتِهِ، و لَم يَزَل ثابِتاً لا في شَيءٍ و لا عَلى شَيءٍ، إلّا أنَّ الخَلقَ يُمسِكُ بَعضُهُ بَعضاً، و يَدخُلُ بَعضُهُ في بَعضٍ و يَخرُجُ مِنهُ، و اللهُ عزّ و جلّ و تَقَدَّسَ بِقُدرَتِهِ يُمسِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ، و لَيسَ يَدخُلُ في شَيءٍ و لا يَخرُجُ مِنهُ، و لا يَؤُدُهُ حِفظُهُ و لا يَعجِزُ عن إمساكِهِ، و لا يَعرِفُ أحَدٌ مِنَ الخَلقِ كَيفَ ذَلِكَ، إلّا اللهُ عزّ و جلّ و مَن أطلَعَهُ عَلَيهِ مِن رُسُلِهِ و أهلِ سِرِّهِ و المُستَحفِظينَ لِأمرِهِ و خُزّانِهِ القائِمَينِ بِشَريعَتِهِ، و إنَّما أمرُهُ كَلَمحِ البَصَرِ أو هوَ أقرَبُ، إذا شاءَ شَيئاً فَإنّما يَقولُ لَهُ كُن فَيَكوُنُ بِمَشَّيتِهِ و إرادَتِهِ، و لَيسَ شَيءٌ مِن خَلقِهِ أقرَبَ إلَيهِ مِن شَيءٍ، و لا شَيءٌ مِنهُ هوَ أبعَدَ مِنهُ