193
میراث مکتوب رضوی

اللّهُ عزّ و جلّ لَها في إدراكِها، و الفَهمُ مِنَ القَلبِ بِجَميعِ ذَلِكَ كُلِّه.‏ و اعلَم أنَّ الواحِدَ الَّذي هوَ قائِمٌ بِغَيرِ تَقديرٍ و لا تَحديدٍ خَلَقَ خَلقاً مُقَدَّراً بِتَحديدٍ و تَقديرٍ، و كانَ الَّذي خَلَق خَلقَينِ اثنَينِ التَّقديرُ و المُقَدَّرُ فَلَيسَ في كُلِّ واحِدٍ مِنهُما لَونٌ و لا ذَوقٌ و لا وَزنٌ، فَجَعَلَ أحَدَهُما يُدرَكُ بِالآخَرِ، و جَعَلَهُما مُدرَكَينِ بِأنفُسِهِما، و لَم يَخلُق شَيئاً فَرداً قائِماً بِنَفسِهِ دونَ غَيرِهِ لِلَّذي أرادَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى نَفسِهِ و إثباتِ وُجودِهِ،‏ و اللّهُ تَبارَكَ و تَعالى‏ فَردٌ واحِدٌ لا ثانيَ مَعَهُ يُقيمُهُ و لا يَعضُدُهُ و لا يُمسِكُهُ،‏ و الخَلقُ يُمسِكُ بَعضُهُ بَعضاً بِإذنِ اللّهِ و مَشيَّتِهِ، و إنَّما اختَلَفَ النّاسُ في هَذا البابِ حَتّى تاهوا و تَحَيَّروا، و طَلَبوا الخَلاصَ مِنَ الظُّلمَةِ بِالظُّلمَةِ في وَصفِهِم اللهَ بِصِفَةِ أنفُسِهِم، فَازدادوا مِنَ الحَقِّ بُعداً، و لَو وَصَفوا اللّهَ عزّ و جلّ بِصِفاتِهِ و وَصَفوا المَخلوقينَ بِصِفاتِهِم، لَقالوا بِالفَهمِ و اليَقينِ، و لَما اختَلَفوا، فَلَمّا طَلَبوا مِن ذَلِكَ ما تَحَيِّروا فِيهِ ارتَبَكوا (وَ ٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏‌).

قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أشهَدُ أنَّهُ كَما وَصَفتَ، و لَكِن بَقِيَت لي مَسألَةٌ، قالَ: سَل عَمّا أرَدتَ، قالَ: أسألُكَ عن الحَكيمِ في أيِّ شَي‏ءٍ هوَ، و هَل يُحيطُ بِهِ شَي‏ءٌ، و هَل يَتَحَوَّلُ مِن شَي‏ءٍ إلى شَي‏ءٍ، أو بِهِ حاجَةٌ إلى شَي‏ءٍ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: أُخبِرُكَ يا عِمرانُ فَاعقِل ما سَألتَ عَنهُ، فَإنَّهُ مِن أغمَضِ ما يَرِدُ عَلى المَخلوقينَ في مَسائِلِهِم، و لَيسَ يَفهَمُهُ المُتَفاوِتُ عَقلُهُ العازِبُ عِلمُهُ،‏ و لا يَعجِزُ عن فَهمِهِ أُولو العَقلِ المُنصِفونَ؛ أمّا أوَّلُ ذَلِكَ فَلَو كانَ خَلَقَ ما خَلَقَ لِحاجَةٍ مِنهُ، لَجازَ لِقائِلٍ أن يَقولَ: يَتَحَوَّلُ إلى ما خَلَقَ لِحاجَتِهِ إلى ذَلِكَ، و لَكِنَّهُ عزّ و جلّ لَم يَخلُق شَيئاً لِحاجَتِهِ،‏ و لَم يَزَل‏ ثابِتاً لا في شَي‏ءٍ و لا عَلى شَي‏ءٍ، إلّا أنَّ الخَلقَ يُمسِكُ بَعضُهُ بَعضاً، و يَدخُلُ بَعضُهُ في بَعضٍ و يَخرُجُ مِنهُ، و اللهُ عزّ و جلّ و تَقَدَّسَ بِقُدرَتِهِ يُمسِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ، و لَيسَ يَدخُلُ في شَي‏ءٍ و لا يَخرُجُ مِنهُ، و لا يَؤُدُهُ حِفظُهُ و لا يَعجِزُ عن إمساكِهِ، و لا يَعرِفُ أحَدٌ مِنَ الخَلقِ كَيفَ ذَلِكَ، إلّا اللهُ عزّ و جلّ و مَن أطلَعَهُ عَلَيهِ مِن رُسُلِهِ و أهلِ سِرِّهِ و المُستَحفِظينَ لِأمرِهِ و خُزّانِهِ القائِمَينِ بِشَريعَتِهِ، و إنَّما أمرُهُ‏ كَلَمحِ البَصَرِ أو هوَ أقرَبُ‏، إذا شاءَ شَيئاً فَإنّما يَقولُ لَهُ كُن فَيَكوُنُ بِمَشَّيتِهِ و إرادَتِهِ، و لَيسَ شَي‏ءٌ مِن خَلقِهِ أقرَبَ إلَيهِ مِن شَي‏ءٍ، و لا شَي‏ءٌ مِنهُ هوَ أبعَدَ مِنهُ


میراث مکتوب رضوی
192

تَدُلُّ عَلى الكَمالِ و الوُجودِ، و لا تَدُلُّ عَلى الإحاطَةِ، كَما تَدُلُّ عَلى الحُدودِ الَّتي هيَ التَّربيعُ و التَّثليثُ و التَّسديسُ؛ لِأنَّ اللهَ عزّ و جلّ و تَقَدَّسَ تُدرَكُ مَعرِفَتُهُ بِالصِّفاتِ و الأسماءِ، و لا تُدرَكُ بِالتَّحديدِ بِالطّولِ و العَرضِ و القِلَّةِ و الكَثرَةِ و اللَّونِ و الوَزنِ، و ما أشبَهَ ذَلِكَ، و لَيسَ يَحُلُّ بِاللهِ جَلَّ و تَقَدَّسَ شَي‏ءٌ مِن ذَلِكَ حَتّى يَعرِفَهُ خَلقُهُ بِمَعرِفَتِهِم أنفُسَهُم بِالضَّرورَةِ الَّتي ذَكَرنا، و لَكِن يُدَلُّ عَلى اللهِ عزّ و جلّ بِصِفاتِهِ و يُدرَكُ بِأسمائِهِ و يُستَدَلُّ عَلَيهِ بِخَلقِهِ، حَتّى لا يَحتاجَ في ذَلِكَ الطّالِبُ المُرتادُ إلى رُؤيَةِ عَينٍ و لا استِماعِ أُذُنٍ و لا لَمسِ كَفٍّ و لا إحاطَةٍ بِقَلبٍ، فَلَو كانَت صِفاتُهُ جَلَّ ثَناؤُهُ لا تَدُلّ عَلَيهِ و أسماؤُهُ لا تَدعو إلَيهِ و المَعَلمَةُ مِنَ الخَلقِ لا تُدرِكُهُ لِمَعناهُ،‏ كانَت العِبادَةُ مِنَ الخَلقِ لِأسمائِهِ و صِفاتِهِ دونَ مَعناهُ، فَلَو لا أنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكانَ المَعبودُ المُوَحَّدُ غَيرَ اللّهِ تَعالى؛ لِأنَّ صِفاتَهُ و أسماءَهُ غَيرُهُ، أ فَهِمتَ؟ قالَ: نَعَم يا سَيِّدي، زِدني، قالَ الرِّضا علیه السلام: إيّاكَ و قَولَ الجُهّالِ أهلِ العَمى و الضَّلالِ الَّذين يَزعُمونَ أنَّ اللّهَ عزّ و جلّ و تَقَدَّسَ مَوجودٌ في الآخِرَةِ لِلحِسابِ و الثَّوابِ و العِقابِ، و لَيسَ بِمَوجودٍ في الدُّنيا لِلطّاعَةِ و الرَّجاءِ، و لَو كانَ في الوُجودِ للّهِ عزّ و جلّ نَقصٌ و اهتِضامٌ لَم يُوجَد في الآخِرَةِ أبَداً، و لَكِنَّ القَومَ تاهوا و عَموا و صَمّوا عن الحَقِّ مِن حَيثِ لا يَعلَمونَ، و ذَلِكَ قَولُهُ عزّ و جلّ: (وَ مَن كَانَ فِى هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِى ٱلْأَخِرَةِ أَعْمَىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً‏‌)؛ يَعني أعمى، عن الحَقائِقِ المَوجودَةِ، و قَد عَلِمَ ذَوو الألبابِ أنَّ الاستِدلالَ عَلى ما هُناكَ لا يَكونُ إلّا بِما هاهُنا، و مَن أخَذَ عِلمَ ذَلِكَ بِرَأيِهِ و طَلَبَ وُجودَهُ و إدراكَهُ عن نَفسِهِ دونَ غَيرِها، لَم يَزدَد مِن عِلمِ ذَلِكَ إلّا بُعداً؛ لِأنَّ اللّهَ عزّ و جلّ جَعَلَ عِلمَ ذَلِكَ خاصَّةً عِندَ قَومٍ يَعقِلونَ و يَعلَمونَ و يَفهَمونَ.

قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أ لا تُخبِرُني عن الإبداعِ، خَلقٌ هوَ أُم غَيرُ خَلقٍ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: بَل خَلقٌ ساكِنٌ لا يُدرَكُ بِالسُّكونِ، و إنَّما صارَ خَلقاً لِأنَّهُ شَي‏ءٌ مُحدَثٌ و اللّهُ الَّذي أحدَثَهُ، فَصارَ خَلقاً لَهُ، و إنَّما هوَ اللّهُ عزّ و جلّ و خَلقُهُ لا ثالِثَ بَينَهُما و لا ثالِثَ غَيرُهُما، فَما خَلَقَ اللّهُ عزّ و جلّ لَم يَعدُ أن يَكونَ خَلقَهُ، و قَد يَكونُ الخَلقُ ساكِناً و مُتَحَرِّكاً و مُختَلِفاً و مُؤتَلِفاً و مَعلوماً و مُتَشابِهاً، و كُلُّ ما وَقَعَ عَلَيهِ حَدٌّ فَهوَ خَلقُ اللّهِ عزّ و جلّ. و اعلَم أنَّ كُلَّ ما أوجَدَتكَ الحَواسُّ فَهوَ مَعنىً مُدرَكٌ لِلحَواسِّ،‏ و كُلُّ حاسَّةٍ تَدُلَّ على ما جَعَلَ

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9204
صفحه از 212
پرینت  ارسال به