189
میراث مکتوب رضوی

صُنعٍ، و لَيسَ يُتَوَهَّمُ مِنهُ مَذاهِبُ و تَجزِئَةٌ كَمَذاهِبِ المَخلوقينَ و تَجزِئَتِهِم،‏ فَاعقَل ذَلِكَ و ابنِ عَلَيهِ ما عَلِمتَ صَواباً.

قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أ لا تُخبِرُني، عن حُدودِ خَلقِهِ كَيفَ هيَ و ما مَعانيها، و عَلى كَم نَوعٍ يَتَكَوَّنُ؟ قالَ علیه السلام: قَد سَألتَ فَافهَم، إنَّ حُدودَ خَلقِهِ عَلى سِتَّةِ أنواعٍ:‏ مَلموسٍ، و مَوزونٍ، و مَنظورٍ إلَيهِ، و ما لا وَزنَ لَهُ و هوَ الرُّوحُ و مِنها مَنظورٌ إلَيهِ و لَيسَ لَهُ وَزنٌ و لا لَمسٌ و لا حِسُّ و لا لَونٌ و لا ذَوقٌ، و التَّقديرُ و الأعراضُ و الصُّوَرُ و العَرضُ و الطّولُ، و مِنها العَمَلُ و الحَرَكاتُ الَّتي تَصنَعُ الأشياءَ و تُعلِمُها و تُغَيِّرُها مِن حالٍ إلى حالٍ، و تَزيدُها و تَنقُصُها. و أمّا الأعمالُ و الحَرَكاتُ فَإنَّها تَنطَلِقُ لِأنَّها لا وَقتَ لَها أكثَرَ مِن قَدرِ ما يَحتاجُ إلَيهِ، فَإذا فَرَغَ مِنَ الشَّي‏ءِ انطَلَقَ بِالحَرَكَةِ و بَقيَ الأثَرُ، و يَجري مَجرى الكَلامِ الَّذي يَذهَبُ و يَبقى أثَرُهُ.

قالَ لَهُ عِمرانُ: يا سيَّدي، أ لا تُخبِرُني، عن الخالِقِ إذا كانَ واحِداً لا شَي‏ءَ غَيرُهُ و لا شَي‏ءَ مَعَهُ أ لَيسَ قَد تَغَيَّرَ بِخَلقِهِ الخَلقَ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: لَم يَتَغَيَّر عزّ و جلّ بِخَلقِ الخَلقِ، و لَكِنَّ الخَلَقَ يَتَغَيَّرُ بِتَغييرِهِ، قالَ عِمرانُ: فَبِأيِّ شَي‏ءٍ عَرَفناهُ؟ قالَ علیه السلام: بِغَيرِهِ، قالَ: فَأيُّ شَي‏ءٍ غَيرُهُ؟ قالَ: الرِّضا علیه السلام: مَشِيَّتُهُ و اسمُهُ و صِفَتُهُ و ما أشبَهَ ذَلِكَ، و كُلُّ ذَلِكَ مُحدَثٌ مَخلوقٌ مُدَبَّرٌ، قالَ عِمرانُ: يا سيِّدي، فَأيُّ شَي‏ءٍ هوَ؟ قالَ علیه السلام: هوَ نورٌ؛ بِمَعنى أنَّهُ هادٍ لِخَلقِهِ مِن أهلِ السَّماءِ و أهلِ الأرضِ، و لَيسَ لَكَ عَلى أكثَرَ مِن تَوحيدي إيّاهُ، قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أ لَيسَ قَد كانَ ساكِتاً قَبلَ الخَلقِ لا يَنطِقُ ثُمَّ نَطَقَ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: لا يَكونُ السُّكوتُ إلّا عن نُطقٍ قَبلَهُ،‏ و المَثَلُ في ذَلِكَ أنَّهُ لا يُقالُ لِلسِّراجِ هوَ ساكِتٌ لا يَنطِقُ، و لا يُقالُ إنَّ السِّراجَ لَيُضيئُ فيما يُريدُ أن يَفعَلَ بِنا؛ لِأنَّ الضَّوءَ مِنَ السِّراجِ لَيسَ بِفِعلٍ مِنهُ و لا كَونٍ، و إنَّما هوَ لَيسَ شَي‏ءٌ غَيرَهُ، فَلَمّا استَضاءَ لَنا قُلنا قَد أضاءَ لَنا حَتّى استَضَأنا بِهِ، فَبِهَذَا تَستَبصِرُ أمرَكَ‏.

قالَ عِمرانُ: يا سيِّدي، فإنَّ الَّذي كانَ عِندي أنَّ الكائِنَ قَد تَغَيَّرَ في فِعلِهِ عن حالِهِ بِخَلقِهِ الخَلقَ، قالَ الرِّضا علیه السلام: أحَلتَ يا عِمرانُ في قَولِكَ: إنَّ الكائِنَ يَتَغَيَّرُ في وَجهٍ مِنَ الوُجوهِ حَتّى يُصيبَ الذّاتَ مِنهُ، ما يَغَيِّرُهُ يا عِمرانُ؟ هَل تَجِدُ النّارَ يُغَيِّرُها تَغَيُّرُ نَفسِها؟


میراث مکتوب رضوی
188

الخَطَلَ و الجَورَ، قالَ: و اللهِ يا سَيِّدي ما أُريدُ إلّا أن تُثبِتَ لي شَيئاً أَتَعلَّقُ به فَلا أجوزَهُ، قالَ علیه السلام: سَل عَمّا بَدا لَكَ.

فَازدَحَمَ عَلَيهِ النّاسُ، و انضَمَّ بَعضُهُم إلى بَعضٍ، فَقالَ عِمرانُ الصّابئُ: أخبِرني، عن الكائِنِ الأوَّلِ و عَمّا خَلَقَ؟ قالَ علیه السلام: سَألتَ فَافهَم؛ أمّا الواحِدُ فَلَم يَزَل واحِداً كائِناً لا شَي‏ءَ مَعَهُ بِلا حُدودٍ و لا أعراضٍ، و لا يَزالُ كَذَلِكَ ثُمَّ خَلَقَ خَلقاً مُبتَدَعاً مُختَلِفاً بأعراضٍ و حُدودٍ مُختَلِفَةٍ لا في شَي‏ءٍ أقامَهُ و لا في شَي‏ءٍ حَدَّهُ و لا عَلى شَي‏ءٍ حَذاهُ و لا مَثَّلَهُ لَهُ، فَجَعَلَ مِن بَعدِ ذَلِكَ الخَلقِ صَفوَةً و غَيرَ صَفوَةٍ، و اختِلافاً و ائتِلافاً و ألواناً و ذَوقاً و طَعماً، لا لِحاجَةٍ كانَت مِنهُ إلى ذَلِكَ، و لا لِفَضلِ مَنزِلَةٍ لَم يَبلُغها إلّا بِهِ، و لا رَأى لِنَفسِهِ فيما خَلَقَ زيادَةً و لا نُقصاناً، تَعقِلُ هَذا يا عِمرانُ؟ قالَ: نَعَم و اللهِ يا سَيِّدي، قالَ علیه السلام: و اعلَم يا عِمرانُ أنَّهُ لَو كانَ خَلَقَ ما خَلَقَ لِحاجَةٍ لَم يَخلُق إلّا مَن يَستَعينُ بِهِ عَلى حاجَتِهِ، و لَكانَ يَنبَغي أن يَخلُقَ أضعافَ ما خَلَقَ؛ لِأنَّ الأعوانَ كُلَّما كَثُروا كانَ صاحِبُهُم أقوى، و الحاجَةُ يا عِمرانُ لا يَسَعُها؛ لِأنَّهُ لَم يُحدِث مِنَ الخَلقِ شَيئاً إلّا حَدَثَت فِيهِ حاجَةٌ أُخرى،‏ و لِذَلِكَ أقولُ: لَم يَخلُقِ الخَلقَ لِحاجَةٍ، و لَكِن نَقَلَ بِالخَلقِ الحَوائِجَ بَعضَهُم إلى بَعضٍ، و فَضَّلَ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ بِلا حاجَةٍ مِنهُ إلى مَن فَضَّلَ، و لا نَقِمَةٍ مِنهُ عَلى مَن أذَلَّ، فَلِهَذا خَلَقَ.

قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، هَل كانَ الكائِنُ مَعلوماً في نَفسِهِ عِندَ نَفسِهِ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: إنَّما تَكونُ المَعلَمَةُ بِالشَّي‏ءِ لِنَفي خِلافِهِ، و ليَكونَ الشَّي‏ءُ نَفسُهُ بِما نُفيَ عَنهُ مَوجوداً و لَم يَكن هُناكَ شَي‏ءٌ يُخالِفُهُ فَتَدعوهُ الحاجَةُ إلى نَفي ذَلِكَ الشَّي‏ءِ عن نَفسِهِ بِتَحديدِ عِلمٍ مِنها، أفَهِمتَ يا عِمرانُ؟ قالَ: نَعَم و اللهِ يا سَيِّدي، فأخبِرني بِأيِّ‏ شَي‏ءٍ عَلِمَ ما عَلِمَ، أ بِضَميرٍ أُم بِغَيرِ ذَلِكَ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: أ رَأيتَ إذا عَلِمَ بِضَميرٍ، هَل تَجِدُ بُدّاً مِن أن تَجعَلَ لِذَلِكَ الضَّميرِ حَدّاً يَنتَهي إلَيهِ المَعرِفَةُ؟ قالَ عِمرانُ: لا بُدَّ مِن ذَلِكَ، قالَ الرِّضا علیه السلام: فَما ذَلِكَ الضَّميرُ؟ فَانقَطَعَ و لَم يُحِر جَواباً. قالَ الرِّضا علیه السلام: لا بَأسَ إن سَألتُكَ عن الضَّمِير نَفسِهِ تَعرِفُهُ بِضَميرٍ آخَرَ؟ فَقالَ الرِّضا علیه السلام أفسَدتَ عَلَيكَ قَولَكَ و دَعواكَ يا عِمرانُ، أ لَيسَ يَنبَغي أن تَعلَمَ أنَّ الواحِدَ لَيسَ يُوصَفُ بِضَميرٍ و لَيسَ يُقالُ لَهُ أكثَرُ مِن فِعلٍ و عَمَلٍ و

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9230
صفحه از 212
پرینت  ارسال به