صُنعٍ، و لَيسَ يُتَوَهَّمُ مِنهُ مَذاهِبُ و تَجزِئَةٌ كَمَذاهِبِ المَخلوقينَ و تَجزِئَتِهِم، فَاعقَل ذَلِكَ و ابنِ عَلَيهِ ما عَلِمتَ صَواباً.
قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أ لا تُخبِرُني، عن حُدودِ خَلقِهِ كَيفَ هيَ و ما مَعانيها، و عَلى كَم نَوعٍ يَتَكَوَّنُ؟ قالَ علیه السلام: قَد سَألتَ فَافهَم، إنَّ حُدودَ خَلقِهِ عَلى سِتَّةِ أنواعٍ: مَلموسٍ، و مَوزونٍ، و مَنظورٍ إلَيهِ، و ما لا وَزنَ لَهُ و هوَ الرُّوحُ و مِنها مَنظورٌ إلَيهِ و لَيسَ لَهُ وَزنٌ و لا لَمسٌ و لا حِسُّ و لا لَونٌ و لا ذَوقٌ، و التَّقديرُ و الأعراضُ و الصُّوَرُ و العَرضُ و الطّولُ، و مِنها العَمَلُ و الحَرَكاتُ الَّتي تَصنَعُ الأشياءَ و تُعلِمُها و تُغَيِّرُها مِن حالٍ إلى حالٍ، و تَزيدُها و تَنقُصُها. و أمّا الأعمالُ و الحَرَكاتُ فَإنَّها تَنطَلِقُ لِأنَّها لا وَقتَ لَها أكثَرَ مِن قَدرِ ما يَحتاجُ إلَيهِ، فَإذا فَرَغَ مِنَ الشَّيءِ انطَلَقَ بِالحَرَكَةِ و بَقيَ الأثَرُ، و يَجري مَجرى الكَلامِ الَّذي يَذهَبُ و يَبقى أثَرُهُ.
قالَ لَهُ عِمرانُ: يا سيَّدي، أ لا تُخبِرُني، عن الخالِقِ إذا كانَ واحِداً لا شَيءَ غَيرُهُ و لا شَيءَ مَعَهُ أ لَيسَ قَد تَغَيَّرَ بِخَلقِهِ الخَلقَ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: لَم يَتَغَيَّر عزّ و جلّ بِخَلقِ الخَلقِ، و لَكِنَّ الخَلَقَ يَتَغَيَّرُ بِتَغييرِهِ، قالَ عِمرانُ: فَبِأيِّ شَيءٍ عَرَفناهُ؟ قالَ علیه السلام: بِغَيرِهِ، قالَ: فَأيُّ شَيءٍ غَيرُهُ؟ قالَ: الرِّضا علیه السلام: مَشِيَّتُهُ و اسمُهُ و صِفَتُهُ و ما أشبَهَ ذَلِكَ، و كُلُّ ذَلِكَ مُحدَثٌ مَخلوقٌ مُدَبَّرٌ، قالَ عِمرانُ: يا سيِّدي، فَأيُّ شَيءٍ هوَ؟ قالَ علیه السلام: هوَ نورٌ؛ بِمَعنى أنَّهُ هادٍ لِخَلقِهِ مِن أهلِ السَّماءِ و أهلِ الأرضِ، و لَيسَ لَكَ عَلى أكثَرَ مِن تَوحيدي إيّاهُ، قالَ عِمرانُ: يا سَيِّدي، أ لَيسَ قَد كانَ ساكِتاً قَبلَ الخَلقِ لا يَنطِقُ ثُمَّ نَطَقَ؟ قالَ الرِّضا علیه السلام: لا يَكونُ السُّكوتُ إلّا عن نُطقٍ قَبلَهُ، و المَثَلُ في ذَلِكَ أنَّهُ لا يُقالُ لِلسِّراجِ هوَ ساكِتٌ لا يَنطِقُ، و لا يُقالُ إنَّ السِّراجَ لَيُضيئُ فيما يُريدُ أن يَفعَلَ بِنا؛ لِأنَّ الضَّوءَ مِنَ السِّراجِ لَيسَ بِفِعلٍ مِنهُ و لا كَونٍ، و إنَّما هوَ لَيسَ شَيءٌ غَيرَهُ، فَلَمّا استَضاءَ لَنا قُلنا قَد أضاءَ لَنا حَتّى استَضَأنا بِهِ، فَبِهَذَا تَستَبصِرُ أمرَكَ.
قالَ عِمرانُ: يا سيِّدي، فإنَّ الَّذي كانَ عِندي أنَّ الكائِنَ قَد تَغَيَّرَ في فِعلِهِ عن حالِهِ بِخَلقِهِ الخَلقَ، قالَ الرِّضا علیه السلام: أحَلتَ يا عِمرانُ في قَولِكَ: إنَّ الكائِنَ يَتَغَيَّرُ في وَجهٍ مِنَ الوُجوهِ حَتّى يُصيبَ الذّاتَ مِنهُ، ما يَغَيِّرُهُ يا عِمرانُ؟ هَل تَجِدُ النّارَ يُغَيِّرُها تَغَيُّرُ نَفسِها؟