183
میراث مکتوب رضوی

المَجانينَ يُتَّخَذُ رَبّاً مِن دونِ اللّهِ، فَاتَّخِذ هَؤُلاءِ كُلَّهُم أرباباً، ما تَقولُ يا نَصرانيُّ؟ قالَ الجاثِليقُ: القَولُ قَولُكَ، و لا إلَهَ إلّا اللّهُ.

ثُمَّ التَفَتَ علیه السلام إلى رَأسِ الجالوتِ فَقالَ: يا يَهوديُّ أقبِل عَلَيَّ أسألكَ بِالعَشرِ الآياتِ الَّتي أُنزِلَت عَلى موسى بنِ عِمرانَ علیه السلام، هَل تَجِدُ في التَّوراةِ مَكتوباً نَبَأَ مُحَمَّدٍ و أُمَّتِهِ: «إذا جاءَت الأُمَّةُ الأخيرَةُ أتباعُ راكِبِ البَعيرِ يُسَبِّحونَ الرَّبَّ جِدّاً جِدّاً، تَسبيحاً جَديداً في الكَنائِسِ الجُدُدِ، فَليُفرِغُ بَنو إسرائيلَ إلَيهِم و إلى مَلِكِهِم لِتَطمَئِنَّ قُلوبُهُم؛ فَإنَّ بِأيديهِم سُيوفاً يَنتَقِمونَ بِها مِنَ الأُمَمِ الكافِرَةِ في أقطارِ الأرضِ»؟ هَكَذا هوَ في التَّوراةِ مَكتوبٌ؟ قالَ رَأسُ الجالوتِ: نَعَم إنّا لَنَجِدُهُ كَذَلِكَ.

ثُمَّ قالَ لِلجاثِليقِ: يا نَصرانيُّ، كَيفَ عِلمُكَ بِكِتابِ شَعيَا؟ قالَ: أعرِفُهُ حَرفاً حَرفاً، قالَ الرِّضا علیه السلام لَهُما: أ تَعرِفانَ هَذا مِن كَلامِهِ: «يا قَومِ، إنّي رَأيتُ صورَةَ راكِبِ الحِمارِ لابِساً جَلابيبَ النّورِ، و رَأيتُ راكِبَ البَعيرِ ضَوؤُهُ مِثلُ ضَوءِ القَمَرِ»؟ فَقالَا: قَد قالَ ذَلِكَ شَعيا، قالَ الرِّضا علیه السلام: يا نَصرانيُّ، هَل تَعرِفُ في الإنجيلِ قَولَ عيسى: «إنّي‏ ذاهِبٌ إلى رَبّي و رَبّكُم و الفارِقِليطا جاءٍ هوَ الَّذي يَشهَدُ لي بِالحَقِّ كَما شَهِدتُ لَهُ، و هوَ الَّذي يُفَسِّرُ لَكُم كُلَّ شَي‏ءٍ، و هوَ الَّذي يُبدي فَضائِحَ الأُمَمِ، و هوَ الَّذي يَكسِرُ عَمودَ الكُفرِ»؟ فَقالَ الجاثِليقُ: ما ذَكَرتَ شَيئاً مِمّا في الإنجيلِ إلّا و نَحنُ مُقِرّونَ بِهِ، فَقالَ: أ تَجِدُ هَذا في الإنجيلِ ثابِتاً يا جاثِليقُ؟ قالَ: نَعَم.

قالَ الرِّضا علیه السلام: يا جاثِليقُ أ لا تُخبِرُني، عن الإنجيلِ الأوَّلِ حينَ افتَقَدتُموهُ عِندَ مَن وَجَدتُموهُ، و مَن وَضَعَ لَكُم هَذا الإنجيلَ؟ قالَ لَهُ: ما افتَقَدنا الإنجيلَ إلّا يَوماً واحِداً حَتّى وَجَدنا غَضّاً طَريّاً، فَأخرَجَهُ إلَينا يُوحَنّا و مَتّى. فَقالَ لَهُ الرِّضا علیه السلام: ما أقَلَّ مَعرِفَتَكَ بِسِرِّ الإنجيلِ و عُلَمائِهِ، فَإن كانَ كَما تَزعُمُ فَلِمَ اختَلَفتُم في الإنجيلِ؟‏ إنَّما وَقَعَ الاختِلافُ في هَذا الإنجيلِ الَّذي في أيديكُمُ اليَومَ،‏ فَلَو كانَ عَلى العَهدِ الأوَّلِ لَم تَختَلِفوا فِيهِ، وَ لكِنّي مُفيدُكَ عِلمَ ذَلِكَ، اعلَم أنَّهُ لَمّا افتُقِدَ الإنجيلُ الأوَّلُ اجتَمَعَتِ النَّصارى إلى عُلَمائِهِم، فَقالَوا لَهُم: قُتِلَ عيسى ابنُ مَريَمَ علیه السلام و افتَقَدنا الإنجيلّ، و أنتُمُ العُلَماءُ فَما عِندَكُم؟ فَقالَ لَهُم ألُوقا و مرقابوس: إنَّ الإنجيلَ في صُدورِنا و نَحنُ نُخرِجُهُ


میراث مکتوب رضوی
182

قَبلَهُم؟ قالَ: بَل كانوا قَبلَهُ، قالَ الرِّضا علیه السلام: لَقَد اجتَمَعَت قُرَيشٌ إلى رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فَسَألوهُ أن يُحييَ لَهُم مَوتاهُم، فَوَجَّهَ مَعَهُم عَليَّ بنَ أبي طالِبٍ علیه السلام، فَقالَ لَهُ: اذهَب إلى الجَبّانَةِ فَنادِ بِأسماءِ هَؤُلاءِ الرَّهطِ الَّذينَ يَسألونَ عَنهُم بِأعلى، صَوتِكَ: يا فُلانُ و يا فُلانُ و يا فُلانُ، يَقولُ لَكُم مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله: قوموا بِإذنِ اللّهِ عزّ و جلّ، فَقاموا يَنفُضونَ التُّرابَ عن رُؤوسِهِم، فَأقبَلَت قُرَيشٌ تَسألُهُم عن أُمورِهِم، ثُمَّ أخبَروهُم أنَّ مُحَمَّداً قَد بُعِثَ نَبيّاً، و قالوا: وَدِدنا أنّا أدرَكناهُ فَنُؤمِنُ بِهِ، و لَقَد أبرَأَ الأكمَهَ و الأبرَصَ و المَجانينَ، و كَلَّمَهُ البَهائِمُ و الطَّيرُ و الجِنُّ و الشَّياطينُ، و لَم نَتَّخِذهُ رَبّاً مِن دونِ اللّهِ عزّ و جلّ، و لَم نُنكِرٍ لِأحَدٍ مِن هَؤُلاءِ فَضلَهُم؛ فَمَتى اتَّخَذتُم عيسى رَبّاً جازَ لَكُم أن تَتَّخِذوا اليَسَعَ و حِزقِيلَ رَبّاً؛ لِأنَّهُما قَد صَنَعا مِثلَ ما صَنَعَ عيسى مِن إحياءِ المَوتى و غَيرِهِ. إنَّ قَوماً مِن بَني إسرائيلَ هَرَبوا مِن بِلادِهِم مِنَ الطّاعونِ (‌وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ‏)، فَأماتَهُم اللّهُ في ساعَةٍ واحِدَةٍ، فَعَمَدَ أهلُ تِلكَ القَريَةِ فَحَظَروا عَلَيهِم حَظيرَةً، فَلَم يَزالوا فيها حَتّى نَخِرَت عِظامُهُم و، صاروا رَميماً، فَمَرَّ بِهِم نَبيٌّ مِن أنبياءِ بَني إسرائيلَ، فَتَعَجَّبَ مِنهُم و مِن كَثرَةِ العِظامِ الباليَةِ، فَأوحى اللهُ إلَيهِ: أ تُحِبُّ أن أُحييَهُم لَكَ فَتُنذِرَهُم؟ قالَ: نَعَم يا رَبِّ، فَأوحى اللهُ عزّ و جلّ إلَيهِ أن نادِهِم، فَقالَ: أيَّتُها العِظامُ الباليَةُ قومي بِإذنِ اللهِ عزّ و جلّ، فَقاموا أحياءً أجمَعونَ يَنفُضونَ التَّرابَ عن رُؤُوسِهِم.

ثُمَّ إبراهيمُ علیه السلام خَليلُ الرَّحمَنِ حينَ أخَذَ الطُّيورَ و قَطَّعَهُنَّ قِطَعاً، ثُمَّ وَضَع‏َ عَلى‏ كُلِّ جَبَلٍ مِنهُنَّ جُزءاً، ثُمَّ ناداهُنَّ فَأقبَلنَ سَعياً إلَيهِ، ثُمَّ موسى بنُ عِمرانَ و أصحابُهُ و السَّبعونَ الَّذينَ اختارَهُم صاروا مَعَهُ إلى الجَبَلِ، فَقالَوا لَهُ: إنَّكَ قَد رَأيتَ اللّهَ سُبحانَهُ، فَأرِناهُ كَما رَأيتَهُ، فَقَالَ: لَهُم: إنّي لَم أرَه، فَقالَوا: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ‏‌)، فَاحتَرَقوا عن آخِرِهِم و بَقيَ موسى وَحيداً، فَقالَ: يا رَبِّ، اختَرتُ سَبعينَ رَجُلاً مِن بَني إسرائيلَ، فَجِئتُ بِهِم و أرجِعُ وَحدي، فَكَيفَ يُصَدِّقُني قَومي بِما أُخبِرُهُم بِهِ؟ فـ (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّاىَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَاءُ مِنَّا‏‌)، فَأحياهُمُ اللّهُ عزّ و جلّ مِن بَعدِ مَوتِهِم، و كُلُّ شَي‏ءٍ ذَكَرتُهُ لَكَ مِن هَذا لا تَقدِرُ عَلى دَفعِهِ؛ لِأنَّ التَّوراةَ و الإنجيلَ و الزَّبورَ و الفُرقانَ قَد نَطَقَت بِهِ، فَإن كانَ كُلُّ مَن أحيا المَوتى و أبرَأَ الأكمَهَ و الأبرَصَ و

تعداد بازدید : 9279
صفحه از 212
پرینت  ارسال به