القَلبِ و جَسارَةِ الأنفُسِ، و نِسيانِ الذِّكرِ وَ انقِطاعِ الرَّجاءِ وَ العَمَلِ [الأمَلِ]، و تَجديدُ الحُقوقِ و حَظرُ النَّفسِ عن الفَسادِ، و مَنفَعَةُ مَن في شَرقِ الأرضِ و غَربِها و مَن فِي البَرِّ وَ البَحَرِ مِمَّن يَحُجُّ و مِمَّن لا يَحُجُّ، مِن تاجِرٍ و جالِبٍ و بائِعٍ و مُشتَرٍ و كاسِبٍ و مِسكينٍ، و قَضاءُ حَوائِجِ أهلِ الأطرافِ و المَواضِعِ المُمكِنُ لَهُمُ الاِجتِماعُ فيها كَذَلِكَ (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).
و عِلَّةُ فَرضِ الحَجِّ مَرَّةً واحِدَةً لِأنَّ اللهَ عزّ و جلّ وَضَعَ الفَرائِضَ عَلى أدنَى القَومِ قُوَّةً، فَمَن تِلكَ الفرائِضِ الحَجُّ المَفروضُ واحِدٌ، ثُمَّ رَغَّبَ أهلَ القُوَّةِ عَلى قَدرِ طاقَتِهِم.
و عِلَّةُ وَضعِ البَيتِ وَسَطَ الأرضِ أنَّهُ المَوضِعُ الَّذي مِن تَحتِهِ دُحِيَتِ الأرضُ، و كُلُّ ريحٍ تَهُبُّ فِي الدُّنيا فَإنَّها تَخرُجُ مِن تَحتِ الرُّكنِ الشّاميِّ و هيَ أوَّلُ بُقعَةٍ وُضِعَت فِي الأرضِ؛ لِأنَّهَا الوَسَطُ لِيَكونَ الفَرضُ لِأهلِ الشَّرقِ و الغَربِ في ذَلِكَ سَواءً؛ و سُمِّيَت مَكَّةُ مَكَّةً لِأنَّ النّاسَ كانوا يَمكُونَ فيها، و كانَ يُقالُ لِمَن قَصَدَها قَد مَكا، و ذَلِكَ قَولُ اللهِ عزّ و جلّ (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)، فالمُكاءُ و التَّصديَةُ صَفقُ اليَدَينِ.
و عِلَّةُ الطَّوافِ بِالبَيتِ إنَّ اللهَ تَبارَكَ و تَعالى قالَ لِلمَلائِكَةِ: (إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ ٱلدِّمَاءَ)، فَرَدّوا عَلَى اللهِ تَعالى هَذَا الجَوابَ، فَنَدِموا و لاذوا بِالعَرشِ وَ استَغفَروا، فَأحَبَّ اللهُ عزّ و جلّ أن يَتَعَبَّدَ بِمِثلِ ذَلِكَ العِبادُ، فَوَضَعَ فِي السَّماءِ الرّابِعَةِ بَيتاً بِحِذاءِ العَرشِ يُسَمّى الضُّراحَ، ثُمَّ وَضَعَ فِي السَّماءِ الدُّنيا بَيتاً يُسَمَّى المَعمورَ بِحذاءِ الضُّراحِ ثُمَّ وَضَعَ هَذَا البَيتَ بِحِذاءِ البَيتِ المَعمورِ، ثُمَّ أمَرَ آدَمَ علیه السلام فَطافَ بِهِ فَتابَ اللهُ عزّ و جلّ عَلَيهِ، و جَرى ذَلِكَ في وُلدِهِ إلى يَومِ القِيامَةِ.
و عِلَّةُ استِلامِ الحَجَرِ إنَّ اللهَ تَبارَكَ و تَعالى لَمّا أخَذَ ميثاقَ بَني آدَمَ التَقَمَهُ الحَجَرُ، فَمِن ثَمَّ كَلَّفَ النّاسَ تَعاهُدَ ذَلِكَ الميثاقِ، و مِن ثَمَّ يُقالُ عِندَ الحَجَرِ: أمانَتي أدَّيتُها و مِيثاق [مِيثاقي] تَعاهَدتُهُ؛ لِتَشهَدَ لي بِالمُوافاةِ، و مِنهُ قَولُ سَلمانَ رحمه الله: لَيَجيئَنَّ الحَجَرُ يَومَ القيامَةِ مِثلَ أبي قُبَيسٍ لَهُ لِسانٌ و شَفَتانِ، يَشهَدُ لِمَن وافاهُ بِالمُوافاةِ.
وَ العِلَّةُ الَّتي مِن أجلِها سُمِّيَت مِنىً مِنىً أنَّ جَبرَئيلَ قالَ هُناكَ لِإبراهيمَ علیه السلام: تَمَنَّ عَلى رَبِّكَ ما شِئتَ، فَتَمَنّى إبراهيمُ في نَفسِهِ أن يَجعَلَ اللهُ مَكانَ ابنِهِ إسماعيلَ كَبشاً يَأمُرُهُ بِذَبحِهِ فِداءً لَهُ، فَاُعطِيَ مِناهُ.