113
میراث مکتوب رضوی

و عِلَّةُ الصَّومِ لِعرفانِ مَسِّ الجُوعِ وَ العَطَشِ؛ لِيَكونَ العَبدُ ذَليلاً مِسكيناً مَأجوراً مُحتَسِباً صابِراً، فَيَكوُنَ ذَلِكَ دَليلاً لَهُ على شَدائِدِ الآخِرَةِ، مَعَ ما فِيهِ مِنَ الانكِسارِ لَهُ عن الشَّهَواتِ واعِظاً لَهُ فِي العاجِلِ دَليلاً عَلَى الآجِلِ؛ لَيَعلَمَ شِدَّةَ مَبلَغَ ذَلِكَ مِن أهلِ الفَقرِ وَ المَسكَنَةِ فِي الدُّنيا وَ الآخِرَةِ.

و حَرَّمَ اللهُ قَتلَ النَّفسِ الَّتي لِعَلَّةِ فَسادِ الخَلقِ في تَحليلِهِ لَو أحَلَّ، و فَنائِهِم و فَسادِ التَّدبيرِ.

و حَرَّمَ اللهُ عزّ و جلّ عُقوقَ الوالِدَينِ لِما فِيهِ مِنَ الخُروجِ عن التَّوقيرِ لِطاعَةِ اللهِ عزّ و جلّ وَ التَّوقيرِ لِلوالِدَينِ، و تَجَنُّبُ كُفرِ النِّعمَةِ و إبطالِ الشُّكرِ، و ما يَدعو في ذَلِكَ إلى قِلَّةِ النَّسلِ وَ انقِطاعِهِ؛ لِما فِي العُقوقِ مِن قِلَّةِ تَوقيرِ الوالِدَينِ وَ العِرفانِ بِحَقِّهِما و قَطعِ الأرحامِ، وَ الزُّهد مِنَ الوالِدَينِ فِي الوَلَدِ و تَركِ التَّربيَةِ لِعِلَّةِ تَركِ الوَلَدِ بِرَّهُما.

و حَرَّمَ الزِّناءَ لِما فِيهِ مِن الفَسادِ مِن قَتلِ الأنفُسِ، و ذَهابِ الأنسابِ و تَركِ التَّربيَةِ لِلأطفالِ و فَسادِ المَواريثِ، و ما أشبَهَ ذَلِكَ مِن وُجوهِ الفَسادِ.

و حَرَّمَ أكلَ مالِ اليَتيمِ ظُلماً لِعِلَلٍ كَثيرَةٍ مِن وُجوهِ الفَسادِ، أوَّلُ ذَلِكَ أنَّهُ إذا أكَلَ الإنسانُ مالَ اليَتيمِ ظُلماً فَقَد أعانَ عَلى قَتلِهِ؛ إذ اليَتيمُ غَيرَ مُستَغنٍ و لا مُحتَمِلٍ لِنَفسِهِ و لا عَليمٍ بِشَأنِهِ، و لا لَهُ مَن يَقومُ عَلَيهِ و يَكفيهِ كَقيامِ والِدَيهِ، فَإذا أكَلَ مالَهُ فَكَأنَّهُ قَد قَتَلَهُ و صَيَّرَهُ إلى الفَقرِ و الفاقَةِ، مَعَ ما خَوَّفَ الله، عزّ و جلّ و جَعَلَ مِنَ العُقوبَةِ في قَولِهِ عزّ و جلّ: (وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا ٱللَّهَ‏‌)، و لِقَولِ أبي جَعفَرٍ علیه السلام: إنَّ اللهَ عزّ و جلّ وَعَدَ في أكلِ مالِ اليَتيمِ عُقوبَتَينِ: عُقوبَةً في الدُّنيا، و عُقوبَةً في الآخِرَةِ، ففي تَحريمِ مالَ اليَتيمِ استِبقاءُ اليَتيمِ و استِقلالُهُ بِنفسِهِ، و السَّلامَةُ لِلعَقِبِ أن يَصيبَهُ ما أصابَهُ لِما وَعَدَ اللهُ فِيهِ مِن العُقوبَةِ، مَعَ ما في ذَلِكَ مِن طَلَبِ اليَتيمِ بِثَأرِهِ إذا أدرَكَ، و وُقوعِ الشَّحناءِ و العَداوَةِ و البَغضاءِ حَتّى يَتَفانَوا.

و حَرَّمَ اللهُ الفِرارَ مِنَ الزَّحفِ لِما فِيهِ مِنَ الوَهنِ في الدِّينِ، و الاستِخفافِ بِالرُّسُلِ و الأئِمَّةِ العادِلَةِ علیهم السلام، و تَركِ نُصرَتِهِم عَلى الأعداءِ، و العُقوبَةِ لَهُم عَلى إنكارِ ما دُعوا إلَيهِ مِنَ الإقرارِ بِالرُّبوبِيَّةِ و إظهارِ العَدلِ، و تَركِ الجَورِ و إماتَةِ الفَسادِ، لِما في ذَلِكَ مِن جُرأةِ العَدوِّ عَلى المُسلِمينَ، و ما يَكونُ في ذَلِكَ مِنَ السَّبيِ و القَتلِ، و إبطالِ دِينِ اللهِ عزّ و جلّ، و


میراث مکتوب رضوی
112

القَلبِ و جَسارَةِ الأنفُسِ، و نِسيانِ الذِّكرِ وَ انقِطاعِ الرَّجاءِ وَ العَمَلِ [الأمَلِ]، و تَجديدُ الحُقوقِ و حَظرُ النَّفسِ عن الفَسادِ، و مَنفَعَةُ مَن في شَرقِ الأرضِ و غَربِها و مَن فِي البَرِّ وَ البَحَرِ مِمَّن يَحُجُّ و مِمَّن لا يَحُجُّ، مِن تاجِرٍ و جالِبٍ و بائِعٍ و مُشتَرٍ و كاسِبٍ و مِسكينٍ، و قَضاءُ حَوائِجِ أهلِ الأطرافِ و المَواضِعِ المُمكِنُ لَهُمُ الاِجتِماعُ فيها كَذَلِكَ (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ‏‌).

و عِلَّةُ فَرضِ الحَجِّ مَرَّةً واحِدَةً لِأنَّ اللهَ عزّ و جلّ وَضَعَ الفَرائِضَ عَلى أدنَى القَومِ قُوَّةً، فَمَن تِلكَ الفرائِضِ الحَجُّ المَفروضُ واحِدٌ، ثُمَّ رَغَّبَ أهلَ القُوَّةِ عَلى قَدرِ طاقَتِهِم.

و عِلَّةُ وَضعِ البَيتِ وَسَطَ الأرضِ أنَّهُ المَوضِعُ الَّذي مِن تَحتِهِ دُحِيَتِ الأرضُ، و كُلُّ ريحٍ تَهُبُّ فِي الدُّنيا فَإنَّها تَخرُجُ مِن تَحتِ الرُّكنِ الشّاميِّ و هيَ أوَّلُ بُقعَةٍ وُضِعَت فِي الأرضِ؛ لِأنَّهَا الوَسَطُ لِيَكونَ الفَرضُ لِأهلِ الشَّرقِ و الغَربِ في ذَلِكَ سَواءً؛ و سُمِّيَت مَكَّةُ مَكَّةً لِأنَّ النّاسَ كانوا يَمكُونَ فيها، و كانَ يُقالُ لِمَن قَصَدَها قَد مَكا، و ذَلِكَ قَولُ اللهِ عزّ و جلّ (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً‏‌)، فالمُكاءُ و التَّصديَةُ صَفقُ اليَدَينِ.

و عِلَّةُ الطَّوافِ بِالبَيتِ إنَّ اللهَ تَبارَكَ و تَعالى قالَ لِلمَلائِكَةِ: (‏إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ ٱلدِّمَاءَ‌)، فَرَدّوا عَلَى اللهِ تَعالى هَذَا الجَوابَ، فَنَدِموا و لاذوا بِالعَرشِ وَ استَغفَروا، فَأحَبَّ اللهُ عزّ و جلّ أن يَتَعَبَّدَ بِمِثلِ ذَلِكَ العِبادُ، فَوَضَعَ فِي السَّماءِ الرّابِعَةِ بَيتاً بِحِذاءِ العَرشِ يُسَمّى الضُّراحَ، ثُمَّ وَضَعَ فِي السَّماءِ الدُّنيا بَيتاً يُسَمَّى المَعمورَ بِحذاءِ الضُّراحِ ثُمَّ وَضَعَ هَذَا البَيتَ بِحِذاءِ البَيتِ المَعمورِ، ثُمَّ أمَرَ آدَمَ علیه السلام فَطافَ بِهِ فَتابَ اللهُ عزّ و جلّ عَلَيهِ، و جَرى ذَلِكَ في وُلدِهِ إلى يَومِ القِيامَةِ.

و عِلَّةُ استِلامِ الحَجَرِ إنَّ اللهَ تَبارَكَ و تَعالى لَمّا أخَذَ ميثاقَ بَني آدَمَ التَقَمَهُ الحَجَرُ، فَمِن ثَمَّ كَلَّفَ النّاسَ تَعاهُدَ ذَلِكَ الميثاقِ، و مِن ثَمَّ يُقالُ عِندَ الحَجَرِ: أمانَتي أدَّيتُها و مِيثاق [مِيثاقي] تَعاهَدتُهُ؛ لِتَشهَدَ لي بِالمُوافاةِ، و مِنهُ قَولُ سَلمانَ رحمه الله: لَيَجيئَنَّ الحَجَرُ يَومَ القيامَةِ مِثلَ أبي قُبَيسٍ لَهُ لِسانٌ و شَفَتانِ، يَشهَدُ لِمَن وافاهُ بِالمُوافاةِ.

وَ العِلَّةُ الَّتي مِن أجلِها سُمِّيَت مِنىً مِنىً أنَّ جَبرَئيلَ قالَ هُناكَ لِإبراهيمَ علیه السلام: تَمَنَّ عَلى رَبِّكَ ما شِئتَ، فَتَمَنّى إبراهيمُ في نَفسِهِ أن يَجعَلَ اللهُ مَكانَ ابنِهِ إسماعيلَ كَبشاً يَأمُرُهُ بِذَبحِهِ فِداءً لَهُ، فَاُعطِيَ مِناهُ.

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9036
صفحه از 212
پرینت  ارسال به