و عِلَّةُ غُسلِ المَيِّتِ أنَّهُ يُغَسَّلُ لِأنَّهُ يُطَهَّرُ و يُنَظَّفُ مِن أدناسِ أمراضِهِ و ما أصابَهُ مِن صُنوفِ عِلَلِهِ؛ لِأنَّهُ يَلقَى المَلائِكَةَ و يُباشِرُ أهلَ الآخِرَةِ، فَيُستَحَبُّ إذا وَرَدَ عَلَى اللهِ و لَقيَ أهلَ الطَّهارَةِ و يُماسّونَهُ و يُماسُّهُم أن يَكونَ طاهِراً نَظيفاً، مُوجَّهاً بِهِ إلَى اللهِ عزّ و جلّ؛ لِيُطلَبَ بِهِ و يُشَفَّعَ لَهُ، و عِلَّةٌ أُخرى أنَّهُ يَخرُجُ مِنهُ المَنيُّ الَّذي مِنهُ خُلِقَ فَيُجنِبُ فَيَكونُ غُسلُهُ لَهُ. و عِلَّةُ اغتِسالِ مَن غَسَلَهُ أو مَسَّهُ فَطَهارَةً لِما أصابَهُ مِن نَضحِ المَيِّتِ؛ لِأنَّ المَيَّتَ إذا خَرَجَتِ الرّوحُ مِنهُ بَقيَ أكثَرُ آفَتِهِ، فَلِذَلِكَ يَتَطَّهَّرُ مِنهُ و يُطَهَّرُ. و عِلَّةُ الوُضوءِ الَّتي مِن أجلِها صارَ غَسلُ الوَجهِ و الذِّراعينِ و مَسحُ الرَّأسِ وَ الرِّجلَينِ؛ فَلِقيامِهِ بَينَ يَدَيِ اللهِ عزّ و جلّ، وَ استِقبالِهِ إيّاهُ بِجَوارِحِهِ الظّاهِرَةِ و مُلاقاتِهِ بِهَا الكِرامَ الكاتِبِينَ؛ فَغَسلُ الوَجهِ لِلسُّجودِ و الخُضوعِ، و غَسلُ اليَدَينِ لِيَقلِبَهُما و يَرغَبَ بِهِما و يَرهَبَ و يَتَبَتَّلَ، و مَسحُ الرَّأسِ وَ القَدَمَينِ لأنَّهُما ظاهِرانِ مَكشوفانِ يَستَقبِلُ بِهِما في كُلِّ حالاتِهِ، و لَيسَ فيهِما مِنَ الخُضوعِ و التَّبَتُّلِ ما فِي الوِجهِ وَ الذِّراعَينِ، و عِلَّةُ الزَّكاةِ مِن أجلِ
قُوتِ الفُقَراءِ و تَحصينِ أموالِ الأغنياءِ؛ لِأنَّ اللهَ تَبارَكَ و تَعالى كَلَّفَ أهلَ الصِّحَّةِ القيامِ بَشأنِ أهلِ الزَّمانَةِ وَ البَلوى، كَما قالَ اللهُ تَعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ)، في أموالِكُم بِإخراجِ الزَّكاةِ، و في أنفُسِكُم بِتَوطينِ الأنفُسِ عَلى الصَّبرِ، مَعَ ما في ذَلِكَ مِن أداءِ شُكرِ نِعَمِ اللهِ عزّ و جلّ و الطَّمَعِ فِي الزِّيادَةِ، مَعَ ما فِيهِ مِنَ الرَّأفَةِ وَ الرَّحمَةِ لِأهلِ الضَّعفِ، وَ العَطفِ عَلى أهلِ المَسكَنَةِ، وَ الحَثَّ لَهُم عَلَى المُواساةِ و تَقويَةِ الفُقراءِ، وَ المَعونَةِ عَلى أمرِ الدِّينِ، و هُم عِظَةٌ لِأهلِ الغِنى و عِبرَةٌ لَهُم؛ لِيَستَدِلّوا عَلى فُقَراءِ الآخِرَةِ بِهِم، و ما لَهُم مِنَ الحَثِّ في ذَلِكَ عَلَى الشُّكرِ لِلهِ تَبارَكَ و تَعالى لِما خَوَّلَهُم و أعطاهُم، وَ الدَّعاءِ و التَّضَرُّعِ و الخَوفِ مِن أن يَصيروا مِثلَهُم في أُمورٍ كَثيرَةٍ، في أداءِ الزَّكاةِ و الصَّدَقاتِ و صِلَةِ الأرحامِ وَ اصطِناعِ المَعروفِ.
و عِلَّةُ الحَجِّ الوِفادَةُ إلَى اللهِ تَعالى و طَلَبُ الزِّيادَةِ و الخُروجُ مِن كُلِّ مَا اقتَرَفَ، و لِيَكونَ تائِباً مِمّا مَضى مُستَأنِفاً لِما يَستَقبِلُ، و ما فِيهِ مِنِ استِخراجِ الأموالِ و تَعَبِ الأبدانِ و حَظرِها عن الشَّهواتِ وَ اللَّذّاتِ، وَ التَّقَرُّبِ بِالعِبادَةِ إلَى اللهِ عزّ و جلّ، وَ الخُضوعِ وَ الاِستِكانَةِ وَ الذُّلِّ، شاخِصاً إلَيهِ فِي الحَرِّ وَ البّردِ وَ الأمنِ وَ الخَوفِ، دائِباً في ذَلِكَ دائِماً، و ما في ذَلِكَ لِجَميعِ الخَلقِ مِنَ المَنافِعِ و الرَّغبَةِ و الرَّهبَةِ إلَى اللهِ عزّ و جلّ، و مِنهُ تَركُ قَساوَةِ