101
میراث مکتوب رضوی

قُلتُ: فَقولُكَ: «اللَّطيفُ» فَسِّرهُ لي، فَإنّي أعلَمُ أنَّ لُطفَهُ خِلافُ لُطفِ غَيرِهِ لِلفَصلِ، غَيرَ إنّي أُحِبُّ أن تَشرَحَ لي. فَقالَ: يا فَتحُ، إنَّما قُلتُ اللَّطيفُ لِلخَلقِ اللَّطيفِ و لِعِلمِهِ بِالشَّي‏ءِ اللَّطيفِ، أ لا تَرى إلى أثَرِ صُنعِهِ في النَّباتِ اللَّطيفِ و غَيرِ اللَّطيفِ و في الخَلقِ اللَّطيفِ مِن أجسامِ الحَيَوانِ، مِنَ الجِرجِسِ و البَعوضِ و ما هوَ أصغَرُ مِنهُما مِمّا لا يَكادُ تَستَبينُهُ العيونُ، بَل لا يَكادُ يُستَبانُ لِصِغَرِهِ الذَّكَرُ مِنَ الأُنثى و المَولودُ مِنَ القَديمِ، فَلَمّا رَأينا صِغَرَ ذَلِكَ في لُطفِهِ و اهتِداءَهُ لِلسِّفادِ، و الهَرَبَ مِنَ المَوتِ، و الجَمعَ لِما يُصلِحُهُ بِما في لُجَجِ البِحارِ و ما في لِحاءِ الأشجارِ و المَفاوِزِ و القِفارِ، و إفهامَ بَعضِها عن بَعضٍ، مَنطِقَها و ما تَفهَمُ بِهِ أولادُها عَنها و نَقلَها الغِذاءَ إلَيها، ثُمَّ تأليفَ ألوانِها حُمرَةٍ مَعَ صُفرَةٍ و بَياضٍ مَعَ حُمرَةٍ، عَلِمنا أنَّ خالِقَ هَذا الخَلقِ لَطيفٌ، و أنَّ كُلَّ صانِعِ شَي‏ءٍ فَمِن شَي‏ءٍ صَنَعَ،‏ و اللهُ الخالِقُ اللَّطيفُ الجَليلُ،‏ خَلَقَ‏ و صَنَعَ‏ لا مِن‏ شَي‏ءٍ.

قُلتُ: جُعِلتُ فِداك،َ و غَيرُ الخالِقِ الجَليلِ خالِقٌ؟ قالَ: إنَّ اللهَ تَبارَكَ و تَعالى يَقولُ (‏فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَٰلِقِينَ. فَقَد أخبَرَ أنَّ في عِبادِهِ خالِقينَ،‏ مِنهُم عيسى بنُ مَريَمَ، خَلَقَ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِإذنِ اللهِ، فَنَفَخَ فِيهِ فَصارَ طائِراً بِإذنِ اللهِ، و السّامِريُّ خَلَقَ‏ لَهُم عِجلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ.

قُلتُ: إنَّ عيسى خَلَقَ مِنَ الطّينِ طَيراً دَليلاً عَلى نُبُوّتِهِ، و السّامِريَّ خَلَقَ عِجلاً جَسَداً لِنَقضِ نُبُوّةِ موسى علیه السلام، و شاءَ اللهُ أن يَكونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إنَّ هَذا لَهوَ العَجَبُ! فَقالَ: وَيحَكَ يا فَتحُ، إنَّ لِلهِ إرادَتَينِ و مَشيَّتَينِ؛ إرادَةَ حَتمٍ و إرادَةَ عَزمٍ،‏ يَنهى و هوَ يَشاءُ، و يَأمُرُ و هوَ لا يَشاءُ، أ وَ ما رَأيتَ أنَّهُ نَهى آدَمَ و زَوجَتَهُ عن أن ـ يأكُلا مِنَ الشَّجَرَةِ و هوَ شاءِ ذَلِكَ، و لَو لَم يَشَأ لَم يَأكُلا، و لَو أكَلا لَغَلَبَت مَشيَّتُهُما مَشِيَّةَ اللهِ،‏ و أمَرَ إبراهيمَ بِذَبحِ ابنِهِ إسماعيلَ علیه السلام و شاءَ أن لا يَذبَحَهُ، و لَو لَم يَشَأ أن لا يَذبَحَهُ لَغَلَبَتَ مَشُيَّةُ إبراهيمَ مَشِيَّةَ اللهِ عزّ و جلّ.

قُلتُ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللهُ عَنكَ، غَيرَ أنَّكَ قُلتُ: «السَّميعُ البَصيرُ» سَميعٌ بِالأُذُنِ و بَصيرٌ بِالعَينِ؟ فَقالَ: إنَّهُ يَسمَعٌ بِما يُبصِرُ و يَرى بِما يَسمَعُ، بَصيرٌ لا بِعَينٍ مِثلِ عَينِ المَخلوقينَ، و سَميعٌ لا بِمِثلِ سَمعِ السّامِعينَ، لَكِن لَمّا لَم يَخفَ عَلَيهِ خافِيَةٌ مِن أثَرِ


میراث مکتوب رضوی
100

محمّد العلوي، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: «لَقيتُهُ علیه السلام عَلى الطَّريقِ عِندَ مُنصَرَفي مِن مَكَّةَ إلى خُراسانَ و هوَ سائِرٌ إلى العِراقِ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ: مَنِ اتَّقى اللهَ يُتَّقى، و مَن أطاعَ اللهَ يُطاعُ. فَتَلَطَّفَتُ في الوُصولِ إلَيهِ، فَوَصَلتُ فَسَلَّمتُ فَرَدَّ عَلي السَّلامَ، ثُمَّ قالَ: يا فَتحُ، مَن أرضى الخالِقَ لَم يُبالِ بِسَخَطِ المَخلوقِ، و مَن أسخَطَ الخالِقَ فَقَمِنَ أن يُسَلَّطَ عَلَيهِ سَخَطُ المَخلوقِ و إنَّ الخالِقَ لا يُوصَفُ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ، و أنّى يُوصَفُ الَّذي تَعجِزَ الحَواسُّ أن تُدرِكَهُ، و الأوهامُ أن تَنالَهُ، و الخَطَراتُ أن تَحُدَّهُ، و الأبصارُ عن الإحاطَةِ بِهِ جَلَّ عَمّا وَصَفَهُ الواصِفونَ، و تَعالى عَمّا يَنعَتُهُ النّاعِتونَ، نَأى في قُربِهِ و قَرُبَ في نَأيِهِ، فَهوَ في بُعدِهِ قَريبٌ، و في قُربِهِ بَعيدٌ كَيَّفَ الكَيفِ فَلا يُقالُ لَهُ كَيفَ، و أيَّنَ الأينَ فَلا يُقالُ لَهُ أينَ؛ إذ هوَ مُبدِعُ الكَيفوفيَّةِ و الأينونيَّةِ.

يا فَتحُ كُلُّ جِسمٍ مُغَذَّىً بِغِذاءٍ، إلّا الخالِقَ الرَّزّاقَ؛ فَإنَّهُ جَسَّمَ الأجسامَ و هوَ لَيسَ بِجِسمٍ و لا صورَةٍ لَم يَتَجَزَّأَ و لَم يَتَناهَ، و لَم يَتَزايَد و لَم يَتَناقَص، مُبَرَّأٌ مِن ذاتِ ما رَكَّبَ في ذاتِ مَن جَسَّمَهُ، و هوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ، السَّميعُ البَصيرُ، الواحِدُ الأحَدُ الصَّمَدُ، لَم يَلِد و لَم يُولَد و لَم يَكُن لَهُ كُفواً أحَدٌ، مُنشئُ الأشياءِ و مُجَسِّمُ الأجسامِ و مُصَوِّرُ الصُّوَرِ، لَو كانَ كَما يَقولُ المُشَبِّهَةُ لَم يُعرَفِ الخالِقُ مِنَ المَخلوقِ، و لا الرّازِقُ مِن المَرزوقِ، و لا المُنشِئُ مِنَ المُنشأِ، لَكِنَّهُ المُنشِئُ فَرَّقَ بَينَ مَن جَسَّمَهُ و صَوَّرَهُ و شَيَّأَهُ، و بَيَّنَهُ‏ إذ كانَ لا يُشبِهُهُ شَي‏ءٌ.

قُلتُ فَاللهُ واحِدٌ و الإنسانُ واحِدٌ، فَلَيسَ قَد تَشابَهَتِ الوَحدانيَّةُ؟ فَقالَ: أحَلتَ ثَبَّتَكَ اللهُ، إنَّما التَّشبيهُ في المَعاني، فَأمّا في الأسماءِ فَهيَ واحِدةٌ و هيَ دَلالةٌ عَلى المُسَمّى‏؛ و ذَلِكَ أنَّ الإنسانَ و إن قيلَ واحِدٌ، فَإنَّه يُخبَرُ أنَّهُ جُثَّةٌ واحِدَةٌ و لَيسَ بِاثنينِ، و الإنسانُ نَفسُهُ لَيسَ بِواحِدٍ، لأنَّ أعضاءَهُ مُختَلِفَةٌ و ألوانَهُ مُختَلِفَةٌ غَيرُ واحِدَةٍ، و هوَ أجزاءٌ مُجَزَّأةٌ لَيسَ سَواءً، دَمُهُ غَيرُ لَحمِهِ، و لَحمُهُ غَيرُ دَمِهِ، و عَصَبُهُ غَيرُ عُروقِهِ، و شَعرُهُ غَيرُ بَشَرِهِ، و سَوادُهُ غَيرُ بياضِهِ، و كَذَلِكَ سائِرُ جَميعِ الخَلقِ، فَالإنسانُ واحِدٌ في الاسمِ لا واحِدٌ في المَعنى،‏ و اللهُ جَلَّ جَلالُهُ واحِدٌ لا واحِدَ غَيرُهُ، و لا اختِلافَ فِيهِ و لا تَفاوُتَ، و لا زيادَةَ و لا نُقصانَ، فَأَمَّا الإنسانُ المَخلوقُ المَصنوعُ المُؤلَّفُ، فَمِن أجزاءٍ مُختَلِفَةٍ و جَواهِرَ شَتّى، غَيرَ أنَّهُ بِالاجتِماعِ شَي‏ءٌ واحِدٌ.

  • نام منبع :
    میراث مکتوب رضوی
    سایر پدیدآورندگان :
    سیدمصطفی مطهری و رضا یاری نیا
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9051
صفحه از 212
پرینت  ارسال به