فآه ثمّ آه، لو كنت مَخطَأ لتلك الأجساد ومحطّاً لنفوس اُولئك الأجواد، لبذلت في حفظها غاية المجهود، ووفيت لها بقديم العهود، وقضيت له بعض الحقوق الأوائل، ووقيتها جهدي من وقع تلك الجنادل وخدمتها خدمة العبد المطيع، وبذلت لها جهد المستطيع، وفرشت لتلك الخدود والأوصال فراش الإكرام والإجلال، وكنت أبلغ منيتي من اعتناقها، وأنور ظلمتي بإشراقها.
فيا شوقاه إلى تلك الأماني! ويا قلقاه لغيبة أهلي وسكّاني! فكلّ حنين يقصر عن ۲۳۲
حنيني، وكلّ دواء غيرهم لا يشفيني، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب الأحزان، وأنست من بعدهم بجلباب الأشجان، ويئست أن يلمّ بي التجلّد والصبر، وقلت: يا سلوة الأيّام موعدك الحشر.
ولقد أحسن ابن قتّة (رحمة اللّه عليه)، وقد بكى على المنازل المشار إليها، فقال:
مَرَرتُ عَلى أَبياتِ آلِ مُحَمَّدٍ
فَلَم أَرَها أَمثالَها يَومَ حَلَّتِ
فَلا يُبعِدُ اللّهُ الدِيارَ وأهلَها
وَإِن أَصبَحَت مِنهُمُ بِرَغمي تَخَلَّتِ
أَلا إنَّ قَتلى الطَفِّ مِن آلِ هاشِمٍ
أَذَلَّتْ رِقابَ المُسلِمينَ فَذَلَّتِ
وَكانوا غِياثاً ثُمّ أَضحوا رَزِيّةً
لَقَد عَظُمَت تَلكَ الرزايا وَجَلَّتِ
أَلم تَرَ أَنَّ الشَمسَ أَضحَت مَريضَةً
لِفَقدِ حُسَينٍ والبِلادِ اقشَعَرَّتِ
فاسلك أيّها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حملة الكتاب.
فقد روي عن مولانا زين العابدين عليهالسلام ـ وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه ـ أنّه كان كثير البكاء لتلك البلوى، عظيم البثّ والشكوى.
فروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال: إنّ زين العابدين عليهالسلام بكى على أبيه أربعين سنة، صائماً نهاره قائماً ليله، فإذا حضره الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه، فيقول: كُلْ يا مولاي، فيقول: قتل ابن رسول اللّه جائعاً، قتل ابن رسول اللّه ۲۳۳