واللّه، لو أنّ النبي صلىاللهعليهوآله تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما ۲۲۹
زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا للّه وأنّا إليه راجعون! من مصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظّها، وأفظعها وأمرّها وأفدحها!! فعند اللّه نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا، إنّه عزيز ذو انتقام.
قال الراوي: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان ـ وكان زمناً ـ فاعتذر إليه صلوات اللّه عليه بما عنده من زمانة رجليه، فأجابه بقبول معذرته وحسن الظنّ به، وشكر له وترحّم على أبيه.
قال عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس جامع هذا الكتاب: ثمّ إنّه صلوات اللّه عليه رحل إلى المدينة بأهله وعياله، نظر إلى منازل قومه ورجاله، فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها، وتبوح بإعلان الدموع وإرسالها، لفقد حماتها ورجالها، وتندب عليهم ندب الثواكل، وتسأل عنهم أهل المناهل، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه، وتنادي لأجلهم: وا ثكلاه! وتقول:
يا قوم، أعينوني على النياحة والعويل، وساعدوني على المصاب الجليل، فإنّ القوم الذين أندب لفراقهم وأحنّ إلى كرم أخلاقهم، كانوا سمار ليلي ونهاري، وأنوار ظلمي وأسحاري، وأطناب شرفي وافتخاري، وأسباب قوّتي وانتصاري، والخلف من شموسي وأقماري.
۲۳۰
كم ليلة شرّدوا بإكرامهم وحشتي، وشيّدوا بإنعامهم حرمتي، وأسمعوني مناجاة أسحارهم، وأمتعوني بإيداع أسرارهم؟! وكم يوم عمّروا ربعي بمحافلهم، وعطّروا طبعي بفضائلهم، وأورقوا عودي بماء عهودهم، وأذهبوا نحوسي بنماء سعودهم؟! وكم غرسوا لي من المناقب، وحرسوا محلّي من النوائب؟
وكم أصبحت بهم أتشرّف على المنازل والقصور، وأميس في ثوب الجذل والسرور؟ وكم أعاشوا في شعابي من أموات الدهور، وكم انتاشوا على أعتابي من رفات المحذور؟