قال الراوي: ولم يزل يقاتلهم حتّى حالوا بينه وبين رحله، فصاح بهم: ويحكم! يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون. قال: فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟
قال: أقول: أنا الذي اُقتاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا أعتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً. فقال شمر: لك ذلك يا بن فاطمة.
۱۷۲
وقصدوه بالحرب، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه، وهو مع ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد، حتّى أصابه اثنتان وسبعون جراحة.
فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر، فوقع على جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدمَ عن جبهته، فأتاه سهمٌ مسمومٌ له ثلاثُ شعبٍ، فوقع على قلبه، فقال عليهالسلام: بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابنُ بنت نبيّ غيره.
ثمّ أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره، فانبعث الدم كأنّه ميزاب، فضعف عن القتال ووقف، فكلّما أتاه رجل انصرف عنه، كراهية أن يلقى اللّه بدمه، حتّى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر (لعنه اللّه) فشتم الحسين وضربه على رأسه الشريف بالسيف، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه وامتلأ البرنس دماً.
قال الراوي: فاستدعى الحسين عليهالسلام بخرقة، فشدّ بها رأسه، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتمّ عليها.
۱۷۳
فلبثوا هنيئة، ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبداللّه بن الحسن بن عليّ وهوغلام لم يراهق من عند النساء، فشهد حتّى وقف إلى جنب الحسين عليهالسلام، فلحقته زينب ابنة عليّ لتحبسه، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال: واللّه، لا اُفارق عمّي. فأهوى بحر بن كعب وقيل: حرملة بن الكاهل إلى الحسين بالسيف.