قال الراوي: وبات الحسين عليهالسلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.
قال: فلمّا كان الغداة أمر الحسين عليهالسلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة، ثمّ دخل ليطلي، فروي: أنّ برير بن حصين الهمداني ۱۵۵
وعبدالرحمن بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن، فقال له عبدالرحمن: يا برير، أتضحك؟! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل.
فقال برير: لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شابّاً، وإنّما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه، فواللّه، ما هو إلاّ أن نلقى هؤاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة، ثمّ نعانق الحور العين.
قال الراوي: وركب أصحاب عمر بن سعد، فبعث الحسين عليهالسلام برير بن حصين فوعظهم فلم يسمعوا وذكّرهم فلم ينتفعوا، فركب الحسين عليهالسلام ناقته ـ وقيل: فرسه ـ فاستنصتهم فأنصتوا، فحمد اللّه وأثنى عليه وذكره بما هو أهله، وصلّى على محمّد صلىاللهعليهوآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل، وأبلغ في المقال، ثمّ قال:
تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، ۱۵۶
سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم أولياء لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم!
فهلاّ ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ، والجأش ضامرٌ، والرأيُ لمّا يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطير الدُبا، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشرار الأحزاب، ونَبَذَة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومُطفِئِ السنن، أهؤاء تعضدون، وعنّا تتخاذلون؟!