فقال له مسلم: وأيّ أمان للغدرة الفجرة؟! ثمّ أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن حيث يقول:
أَقسَمتُ لا اُقتلُ إلاّ حُرّا
وَإِن رَأيتُ المَوتَ شَيئاً نُكرا
أَكرَهُ أن اُخدَع أو اُغرّا
أو أخلط البارد سخناً مُرا
كُلُّ امرىءٍ يوماً يلاقي شرّا
أَضرِبُكُم ولا أَخافُ ضرّا
فقالوا له: إنّك لا تُخدع ولا تغرّ، فلم يلتفت إلى ذلك، وتكاثروا عليه بعد أن اُثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه فخرّ إلى الأرض، فاُخذ أسيراً.
فلمّا اُدخل على عبيداللّه بن زياد لم يسلّم عليه، فقال له الحرسي: سلّم على ۱۲۱
الأمير. فقال له: اسكت يا ويحك! واللّه، ما هو لي بأمير.
فقال ابن زياد: لا عليك سلّمت أم لم تسلّم، فإنّك مقتول.
فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ منّي، وبعد فإنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة، لا أحد أولى بها منك.
فقال له ابن زياد: يا عاقّ يا شاقّ! خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين، وألقحت الفتنة بينهم!
فقال له مسلم: كذبت يابن زياد، إنّما شقّ عصى المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف، وأنا أرجوا أن يرزقني اللّه الشهادة على يدي أشرّ البرّية.
فقال ابن زياد: منّتك نفسك أمراً حال اللّه دونه، ولم يرك له أهلاً، وجعله لأهله. فقال مسلم: ومَن أهله يابن مرجانة؟ فقال: أهله يزيد بن معاوية!
فقال مسلم: الحمد للّه، رضينا باللّه حكماً بيننا وبينكم.