فلمّا سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار، فخرج من دار المختار وقصد دار هانىء بن عروة، فآواه وكثر اختلاف الشيعة إليه، وكان عبيداللّه بن زياد قد وضع المراصد عليه.
فلمّا علم أنّه في دار هانىء دعا محمّد بن الأشعث وأسماء بن خارجة ۱۱۵
وعمرو بن الحجّاج، وقال: ما يمنع هانىء بن عروة من إتياننا؟ فقالوا: ماندري، وقد قيل: إنّه يشتكي.
فقال: قد بلغني ذلك، وبلغني أنّه قد برأ وأنّه يجلس على باب داره، ولو أعلم أنّه شاكٍ لعدته، فالقوه ومروه أن لايدع ما يجب عليه من حقّنا، فإنّي لا اُحبّ أن يفسد عندي مثله؛ لأنّه من أشراف العرب.
فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة على بابه، فقالوا: ما يمنعك من لقاء الأمير؟ فإنّه قد ذكرك وقال: لو أعلم أنّه شاكٍ لعدته. فقال لهم: الشكوى تمنعني.
فقالوا له: إنّه قد بلغه أنّك تجلس على باب دارك كلّ عشيّة، وقد استبطأك، والإبطاء والجفاء لايحتمله السلطان من مثلك؛ لأنّك سيّدٌ في قومك، ونحن نقسم عليك إلاّ ما ركبت معنا إليه. فدعا بثيابه فلبسها وفرسه فركبها، حتّى إذا دنا من القصر كأنّ نفسه قد أحسّت ببعض الذي كان، فقال لحسّان بن أسماء بن خارجة: يابن أخي، إنّي واللّه من هذا الرجل لخائف، فما ترى؟
فقال: واللّه، يا عمّ ما أتخوّف عليك شيئاً، فلا تجعل على نفسك سبيلاً، ولم يك حسّان يعلم في أيّ شيء بعث عبيداللّه بن زياد.
فجاء هانىء والقوم معه حتّى دخلوا جميعاً على عبيداللّه، فلمّا رأى هانياً قال: أتتك بخائن رجلاه، ثمّ التفت إلى شريح القاضي ـ وكان جالساً عنده ـ وأشار إلى ۱۱۶