فسار مسلم بالكتاب حتّى دخل إلى الكوفة، فلمّا وقفوا على كتابه كثر استبشارهم بإتيانه إليهم، ثمّ أنزلوه في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وصارت الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليهالسلام وهم يبكون، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً.
۱۰۹
وكتب عبداللّه بن مسلم الباهلي وعمارة بن الوليد وعمر بن سعد إلى يزيد يخبرونه بأمر مسلم بن عقيل، ويشيرون عليه بصرف النعمان بن بشير وولاية غيره.
فكتب يزيد إلى عبيداللّه بن زياد وكان والياً على البصرة بأنّه قد ولاّه الكوفة وضمّها إليه، ويعرّفه أمر مسلم بن عقيل وأمر الحسين عليهالسلام، ويشدّد عليه في تحصيل مسلم وقتله، فتأهّب عبيداللّه للمسير إلى الكوفة.
۱۱۰
وكان الحسين عليهالسلام قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنّى أبا رزين يدعوهم فيه إلى نصرته ولزوم طاعته، منهم: يزيد بن مسعود النهشلي، والمنذر بن الجارود العبدي.
فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، فلمّا حضروا قال: يا بني تميم، كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم؟ فقالوا: بخٍّ بخٍّ، أنت واللّه، فقرة الظهر ورأس الفخر، حللت في الشرف وسطاً، وتقدّمت فيه فرطاً.
قال: فإنّي قد جمعتكم لأمرٍ اُريد أن اُشاوركم فيه وأستعين بكم عليه.
فقالوا: واللّه، إنّما نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي، فقل نسمع.
۱۱۱
فقال: إنّ معاوية قد مات، فأهون به واللّه هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وقد كان أحدث بيعةً عقد بها أمراً وظنّ أنّه قد أحكمه، وهيهات والذي أراد، اجتهد ـ واللّه ـ ففشل، وشاور فخذل، وقد قام ابنه يزيد ـ شارب الخمور ورأس الفجور ـ يدّعي الخلافة على المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضىً منهم، مع قصر حلمٍ وقلّة علمٍ، لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه، فاُقسم باللّه قسماً مبروراً لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين.