ذكر نزول مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة إليه للبيعة
قال: وجعلت الشيعة تختلف إلى دار مسلم، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين، والقوم يبكون شوقاً منهم إلى قدوم الحسين. ثمّ تقدّم إلى مسلم بن عقيل رجل من همدان يقال له عابس بن أبي شبيب الشاكري فقال:
أمّا بعد؛ فإنّي لا أخبرك عن الناس بشيء فإنّي أعلم ما في أنفسهم، ولكنّي أخبرك عمّا أنا موطّن عليه نفسي، واللّه، اُجيبكم إذا دعوتم واُقاتل معكم عدوّكم، وأضرب بسيفي دونكم أبداً حتّى ألقى اللّه وأنا لا اُريد بذلك إلاّما عنده.
ثمّ قام حبيب بن مظاهر الأسدي الفقعسي قال: وأنا واللّه الذي لا إله إلاّ هو، على ما أنت عليه.
و تبايعت الشيعة على كلام هذين الرجلين، ثمّ بذلوا الأموال، فلم يقبل مسلم بن عقيل منها شيئاً.
قال: وبلغ ذلك النعمان بن بشير قدوم مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة عليه ـ والنعمان يومئذ أمير الكوفة ـ فخرج من قصر الإمارة مغضباً حتّى دخل ۵ / ۳۵
المسجد الأعظم فنادى في الناس، فاجتمعوا إليه، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد؛ يا أهل الكوفة، فاتّقوا اللّه ربّكم ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإنّ فيها سفك الدماء وذهاب الرجال والأموال، واعلموا أنّي لست اُقاتل إلاّ مَن قاتلني، ولا أثب إلاّ على مَن وَثَبَ عليَّ، غير أنّكم قد أبديتم صفحتكم، ونقضتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فإن رأيتم أنّكم رجعتم عن ذلك، وإلاّ فو اللّه الذي لا إله إلاّ هو، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر، مع أنّي أرجو أنّ من يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يريد الباطل.
فقام إليه عبداللّه بن مسلم بن سعيد الحضرمي فقال: أيّها الأمير أصلحك اللّه! إنّ هذا الذي أنت عليه من رأيكإنّما هو رأي المستضعفين؟ فقال له النعمان بن بشير: يا هذا واللّه، لأن أكون من المستضعفين في طاعة اللّه أحبّ إليَّ من أن أكون من المغلوبين۱ في معصية اللّه.