أمّا بعد؛ فاتّقوا اللّه عباد اللّه، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة، فإنّ فيهما يهلك ۵ / ۳۵۶
الرجال، وتسفك الدماء، وتغصب الأموال ـ وكان حليماً ناسكاً يحبّ العافية ـ قال: إنّي لم اُقاتل من لم يقاتلني، ولا أثب على مَن لا يثب عليَّ، ولا اُشاتمكم، ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فو اللّه الذي لا إله غيره، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما إنّي أرجو أن يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.
قال: فقام إليه عبداللّه بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني اُميّة فقال:
إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين، فقال: إن أكون من المستضعفين في طاعة اللّه أحبّ إليَّ من أن أكون من الأعزّين في معصية اللّه، ثمّ نزل.
وخرج عبداللّه بن مسلم، وكتب إلى يزيد بن معاوية: أمّا بعد؛ فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك؛ فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف، أو هو يتضعّف، فكان أوّل من كتب إليه.
ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقّاص بمثل ذلك.
قال هشام: قال عوانّه: فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلاّ يومان، دعا يزيد بن معاوية، سرجون مولى معاوية فقال: ما رأيك؟ فإنّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ ـ وأقرأه كتبهم ـ فما ترى مَن أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتباً على عبيد اللّه بن زياد.