فقال له الحسين. وما هي يا ابن مطيع؟ قال: إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة؛ فيها قتل أبوك وأخوكبطعنة طعنوه كادت أن تأتي على نفسه، فالزم الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك هذا، فو اللّه، لئن هلكت ليهلكنّ أهل بيتك بهلاكك، والسلام.
قال: فودعه الحسين ودعا له بخير وسار حتّى وافى مكّة، فلمّا نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية: «وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ».۱
و دخل الحسين إلى مكّة ففرح به أهلها فرحاً شديداً. قال: وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشيّة، واشتدّ ذلك على عبداللّه بن الزبير؛ لأنّه قد كان طمع أن يبايعه أهل مكّة، فلمّا قدم الحسين شقّ ذلك عليه، غير أنّه لا يبدي ما في قلبه إلى الحسين، لكنّه يختلف إليه ويصلّي بصلاته ويقعد عنده ويسمع من حديثه، وهو مع ذلك يعلم أنّه لا يبايعه أحد من أهل مكّة والحسين بن عليّ بها؛ لأنّ الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير.
قال: وبلغ ذلك أهل الكوفة أنّ الحسين بن عليّ قد صار إلى مكّة. وأقام الحسين بمكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة.
قال: وبمكّة يومئذ عبداللّه بن عبّاس وعبداللّه بن عمر بن الخطّاب (رضي اللّه عنهم) فأقبلا جميعاً حتّى دخلا على الحسين، وقد عزما على أن ينصرفا إلى المدينة، فقال له ابن عمر: أبا عبداللّه رحمك اللّه! اتّق اللّه الذي إليه معادك! فقد عرفت من عداوة أهل هذا البيت لكم و ظلمهم إيّاكم، وقد ولي الناس هذا الرجل ۵ / ۲۴
يزيد بن معاوية، ولست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء والبيضاء، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير؛ فإنّي قد سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوسلم وهو يقول: حسين مقتول، ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم اللّه إلى يوم القيامة! وأنا اُشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس، واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل، فلعلّ اللّه أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين.