مَن لا تَزالُ له نفسٌ على شرفٍ
و شدّ مقدار تِلكَ النفسِ أن تَقَعا
لمّا انتهينا وبابُ الدار مُنصَفِقٌ
و صوتُ رملة راعَ القَلبَ فانصدَعا
أَودَى ابن هندٍ فأودَى المَجد يَتبعه
كانا يكونان دهراً قاطعينَ معا
قال: ثمّ ركب يزيد وسار إلى قبّة لأبيه خضراء، فدخلها وهو معتمّ بعمامة خزّ سوداء، متقلّداً بسيف أبيه معاوية حتّى وصل إلى باب الدار، ثمّ جعل يسير والناس عن يمينه وشماله قد نزلوا عن دوابّهم، وقد ضربت له القباب والفساطيط المدنجة، حتّى صار إلى القبّة الخضراء، فلمّا دخلها نظر، فإذا قد نصبت له فيها فرش كثيرة بعضها على بعض، ويزيد يحتاج أن يرقى عليها بالكراسي.
قال: فصعد حتّى جلس على تلك الفرش، والناس يدخلون عليه يهنّئونه بالخلافة ويعزّونه في أبيه، وجعل يزيد يقول: نحن أهل الحقّ وأنصار الدين، وابشروا يا أهل الشام! فإنّ الخير لم يزل فيكم، وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديد، وقد رأيت في منامي كأنّ نهراً يجري بيني وبينهم دماً عبيطاً، وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر، فلم أقدر على ذلك حتّى جاءني عبيد اللّه بن زياد، فجازه بين يدي وأنا أنظر إليه.
قال:
فأجابه أهل الشام وقالوا: يا أمير المؤمنين، امضِ بنا حيث شئت وأقدم بنا على ۵ / ۸
من أحببت فنحن بين يديك، وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفّين.
فقال لهم يزيد: أنتم لعمري كذلك، وقد كان أمير المؤمنين معاوية لكم كالأب البارّ بالولد، و كان من العرب أمجدها وأحمدها وأهمدها، وأعظمها خطراً، وأرفعها ذكراً، وأنداها أنامل، و أوسعها فواضل، وأسماها إلى الفرع الباسق، لا يعتريه الفهاهة في بلاغته، ولا تدخله اللكنة في منطقه، حتّى إذا انقطع من الدنيا أثره، وصار إلى رحمة اللّه تعالى ورضوانه.