ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج في أصحابه على الحسين عليهالسلام من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي (رحمة اللّه عليه) وانصرف عمرو وأصحابه، وانقطعت الغبرة، فوجدوا مسلماً صريعاً، فمشى إليه الحسين عليهالسلام، فإذا به رمق، فقال: رحمك اللّه يا مسلم «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً».۱
ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عزّ عليَّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة، فقال مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير. فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك من ۲ / ۱۰۴
ساعتي هذه، لأحببت أن توصيني بكلّ ما أهمّك.
ثمّ تراجع القوم إلى الحسين عليهالسلام، فحمل شمر بن ذي الجوشن (لعنه اللّه) على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، وحُمِلَ على الحسين وأصحابه من كلّ جانب، وقاتلهم أصحابُ الحسين قتالاً شديداً، فأخذت خيلهم تحمل وإنّما هي اثنان وثلاثون فارساً، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلاّ كشفته.
فلمّا رأى ذلك عروة بن قيس ـ وهو على خيل أهل الكوفة ـ بعث إلى عمر بن سعد: أَما تَرى ما تَلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة، ابعث إليهم الرجال والرماة.
فبعث عليهم بالرماة فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه، فنزل عنه وجعل يقول:
إِن تَعقِروا بي فأنا ابنُ الحُرِّ
أَشجُعُ مِن ذي لِبَدٍ هِزَبْرِ
ويضربهم بسيفه وتكاثروا عليه، فاشترك في قتله أيّوب بن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة.
وقاتل أصحابُ الحسين بن عليّ عليهالسلام القومَ أشدَّ قتال حتّى انتصف النهار. فلمّا رأى الحصين بن نمير ـ وكان على الرماة ـ صبر أصحاب الحسين عليهالسلام تقدّم إلى أصحابه ـ وكانوا خمسمئة نابل ـ أن يرشقوا أصحاب الحسين عليهالسلام بالنبل، فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، وأرجلوهم.