فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد، أتريد أن تحمل؟ فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل ـ وهي الرعدة ـ فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمريب، واللّه، ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟!
فقال له الحرّ: إنّي واللّه اُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فواللّه، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت. ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليهالسلام فقال له: جعلت فداك ۲ / ۱۰۰
ـ يا ابن رسول اللّه ـ أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، واللّه، لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت، وإنّي تائب إلى اللّه تعالى ممّا صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟
فقال له الحسين عليهالسلام: نعم، يتوب اللّه عليك فانزل، قال: فأنا لك فارساً خير منّي راجلاً، اُقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري.
فقال له الحسين عليهالسلام: فاصنع ـ يرحمك اللّه ـ ما بدا لك.
فاستقدم أمام الحسين عليهالسلام، ثمّ أنشأ رجل من أصحاب الحسين عليهالسلام يقول:
لنِعمَ الحرّ حُرُّ بني رِياحِ
وحُرّ عند مُختلفِ الرِماح
ونِعمَ الحرّ إذ نادى حُسينٌ
وجادَ بنفسِهِ عند الصباح
ثمّ قال: يا أهل الكوفة، لاُمّكم الهبل والعبر، أدعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد اللّه العريضة، فصار كالأسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرّاً، ۲ / ۱۰۱