فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبداللّه على حرف إن كان يدري ما تقول.
فقال له حبيب بن مظاهر: واللّه، إنّي لأراك تعبداللّه على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع اللّه على قلبك.
ثمّ قال لهم الحسين عليهالسلام: فإن كنتم في شكّ من هذا، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟! فواللّه، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة؟!
فأخذوا لا يكلّمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي، يا حجّار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليَّ أن قد أينعت الثمار وأخضرّ الجناب، وإنما تقدّم على جند لك مجنّد؟!
فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، ولكن انزل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ.
فقال له الحسين: لا واللّه، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد.
ثمّ نادى: يا عباد اللّه «وَ إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَ رَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ»،۱ أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
۲ / ۹۹
ثمّ إنّه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها، وأقبلوا يزحفون نحوه.
فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليهالسلام قال لعمر بن سعد: أي عمر، أَمُقاتِلٌ أنت هذا الرجل؟ قال: إي واللّه، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
قال: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قال عمر: أمّا لو كان الأمر إليَّ لفعلت، ولكن أميرك قد أبى.
فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له: قرّة بن قيس، فقال: يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال قرّة: فظننت واللّه أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، ويكره أن أراه حين يصنع ذلك، فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه، فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فواللّه، لو أنّه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين بن عليّ عليهالسلام.