فقام إليها الحسين عليهالسلام فصبّ على وجهها الماء وقال لها: يا اُختاه، اتّقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجه اللّه الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعودون، وهو فرد وحده، أبي خير منِّي، وأمّي خير منّي، وأخي خير منّي، ولي ولكلّ مسلم برسول اللّه صلىاللهعليهوآله اُسوة.
فعزّاها بهذا ونحوه وقال لها: يا اُخيّة، إنّي أقسمت فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت. ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي.
ثمّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت، فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.
ورجع عليهالسلام إلى مكانه، فقام الليل كلّه يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع، وقام أصحابه كذلك يصلّون ويدعون ويستغفرون.
۲ / ۹۵
قال الضحّاك بن عبداللّه: ومرّ بنا خيل لابن سعد يحرسنا، وإنّ حسيناً ليقرأ: «وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأِّنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»،۱ فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبداللّه بن سمير، وكان مضحاكاً، وكان شجاعاً بطلاً، فارساً فاتكاً شريفاً، فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون، ميزنا منكم.
فقال له برير بن خضير: يا فاسق، أنت يجعلك اللّه من الطيّبين؟! فقال له: من أنت ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير، فتسابّا.