ولمّا رأى الحسين نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد: إنّي اُريد أن ألقاك فاجتمعا ليلاً فتناجيا طويلاً، ثمّ رجع عمر بن سعد إلى مكانه وكتب إلى عبيد اللّه بن زياد: أمّا بعد؛ فإنّ اللّه قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الاُمّة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضى وللاُمّة صلاح.
۲ / ۸۸
فلمّا قرأ، عبيد اللّه الكتاب قال: هذا كتاب ناصح مشفق على قومه، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك؟ واللّه، لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك، ليكوننّ أولى بالقوّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنّها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة، وإن عفوت كان ذلك لك.
قال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك، اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إليَّ سلماً، وإن هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش، واضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه!
وكتب إلى عمر بن سعد: إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعتذر له، ولا لتكون له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم، فإنّهم لذلك مستحقّون، وإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنّه عاتٍ ظلوم، وليس أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليَّ قول قد قلته: لو قتلته لفعلت هذا به، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك ۲ / ۸۹