فلعلّ اللّه إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك، فخذ هاهنا.
فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وسار الحسين عليهالسلام وسار الحرّ في أصحابه يسايره وهو يقول له: يا حسين، إنّي اُذكّرك اللّه في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ.
فقال له الحسين عليهالسلام: أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، وهو يريد نصرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فخوّفه ابن عمّه وقال: أين تذهب؟ فإنّك مقتول، فقال:
سَأَمضي فما بالموتِ عارٌ على الفتى
إذا ما نَوى حقّاً وجاهدَ مسلما
وآسى الرجالَ الصالحينَ بنفسِهِ
وفارقَ مَثبوراً وباعد مجرما
فإن عشتُ لم اُندم وإن متُّ لم اُلم
كفى بك ذلاًّ أن تعيشَ وتُرغما
فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين عليهالسلام في ناحية اُخرى، حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات.
ثمّ مضى الحسين عليهالسلام حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به، فإذا هو بفسطاط مضروب، فقال: لمن هذا؟ فقيل: لعبيد اللّه بن الحرّ الجعفي، فقال: ادعوه إليَّ فلمّا أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن عليّ يدعوك، فقال عبيد اللّه: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، واللّه! ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها، واللّه، ۲ / ۸۲
ما اُريد أن أراه ولا يراني! فأتاه الرسول فأخبر، فقام الحسين عليهالسلام فجاء حتّى دخل عليه فسلّم وجلس، ثمّ دعاه إلى الخروج معه، فأعاد عليه عبيد اللّه بن الحرّ تلك المقالة واستقاله ممّا دعاه إليه، فقال له الحسين عليهالسلام: فإن لم تنصرنا فاتّق اللّه أن تكون ممّن يقاتلنا، واللّه، لا يسمع واعيتنا أحدٌ ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك، فقال: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء اللّه، ثمّ قام الحسين عليهالسلام من عنده حتّى دخل رحله.