ثمّ سار عليهالسلام من بطن العقبة حتّى نزل شراف، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه ۲ / ۷۷
فاستقوا من الماء فأكثروا، ثمّ سار منها حتّى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه فقال له الحسين عليهالسلام: اللّه أكبر! لِمَ كبّرت؟ قال: رأيت النخل، فقال له جماعة من أصحابه: واللّه، إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ.
فقال الحسين عليهالسلام: فما ترونه؟ قالوا: نراه واللّه آذان الخيل، قال: أنا واللّه أرى ذلك، ثمّ قال عليهالسلام: ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقلنا: بلى، هذا ذو حسمى۱ إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت إليه فهو كما تريد.
فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيّناها وعدلنا، فلمّا رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا إلى ذي حسمى، فسبقناهم إليه، وأمر الحسين عليهالسلام بأبنيته فضُرِبَت.
۲ / ۷۸
وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليهالسلام في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدوا أسيافهم.
فقال الحسين عليهالسلام لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها.
فقال عليّ بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين عليهالسلام ما بي وبفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية ـ والراوية عندي السقاء ـ ثمّ قال: يا ابن أخي أنخ الجمل، فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين عليهالسلام: اخنث السقاء، أي اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل؟ فقام فخنثه، فشربت وسقيت فرسي.