فسكت، ثمّ انتظر حتّى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا، ثمّ ارتحلوا، فسار حتّى انتهى إلى زبالة، فأتاه خبر عبداللّه بن يقطر، فأخرج إلى الناس كتاباً فقرأه عليهم:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد؛ فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبداللّه بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام.
۲ / ۷۶
فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً، حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممّن انضووا إليه.
وإنّما فعل ذلك؛ لأنّه عليهالسلام علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على ما يقدمون.
فلمّا كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا، ثمّ سار حتّى مرّ ببطن العقبة فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمرو بن لوذان، فسأله: أين تريد؟ فقال له الحسين عليهالسلام: الكوفة.
فقال الشيخ: أنشدك اللّه لمّا انصرفت، فواللّه، ما تقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف، وإنّ هؤاء الذين بعثوا إليك، لو كانوا كفوك مؤونة القتال، ووطّؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأياً، فأمّا على هذه الحال التي تذكر فإنّي لا أرى لك أن تفعل.
فقال له: يا عبداللّه، ليس يخفى عليَّ الرأي، ولكن اللّه تعالى لا يغلب على أمره، ثمّ قال عليهالسلام: واللّه، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلّط اللّه عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الاُمم.