فلمّا نظر فيه عبيد اللّه تكرّهه، وقال: ما هذا التطويل؟ وما هذه الفصول؟ اكتب:
أمّا بعد؛ فالحمد للّه الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه، وكفاه مؤنة عدوّه، أخبر أمير المؤمنين أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي، وأنّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما، وأمكن اللّه منهما، فقدّمتهما وضربت أعناقهما، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة والزبير بن الأروح التميمي، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمرهما، فإنّ عندهما علماً وصدقاً وورعاً، والسلام.
فكتب إليه يزيد: أمّا بعد؛ فإنّك لم تعد أن كنت كما اُحبّ، عملت عمل الحازم، ۲ / ۶۶
وصِلْتَ صولةَ الشجاع الرابط الجأش، وقد أغنيت وكفيت، وصدقت ظنّي بكَ ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوصِ بهما خيراً، وإنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلى العراق، فضع المناظر والمسالح واحترس، واحبس على الظنّة واقتل على التهمة، واكتب إليّ فيما يحدث من خبر إن شاء اللّه.
فصل
وكان خروج مسلم بن عقيل (رحمة اللّه عليهما) بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة سنة ستّين، وقتله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة، وكان توجّه الحسين عليهالسلام من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة ـ وهو يوم التروية ـ بعد مقامه بمكّة بقيّة شعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة وثماني ليال خلون من ذي الحجّة سنة ستّين، وكان قد اجتمع إليه مدّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة، انضافوا إلى أهل بيته ومواليه.
۲ / ۶۷
ولمّا أراد الحسين عليهالسلام التوجّه إلى العراق، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة؛ لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يقبض عليه بمكّة فينفذ إلى يزيد بن معاوية، فخرج عليهالسلام مبادراً بأهله وولده ومن انضمّ إليه من شيعته، ولم يكن خبر مسلم قد بلغه لخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه.