فقال له ابن زياد: يا فاسق، إن نفسك تمنّيك ما حال اللّه دونه، ولم يرك اللّه له أهلا.
فقال مسلم: فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله؟! فقال ابن زياد: أمير المؤمنين يزيد.
فقال مسلم: الحمد للّه على كلّ حال، رضينا باللّه حكماً بيننا وبينكم.
۲ / ۶۳
فقال له ابن زياد: قتلني اللّه إن لم أقتلك قتلةً لم يقتلها أحدٌ في الإسلام من الناس!
قال له مسلم: أما إنّك أحقّ من أحدث في الإسلام ما لم يكن، وإنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة.
فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلاً عليهم الصلاة والسلام، وأخذ مسلم لا يكلّمه.
ثمّ قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه، ثمّ أتبعوه جسده.
فقال مسلم بن عقيل (رحمة اللّه عليه): لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني!
فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟ فَدُعي بكر بن حمران الأحمري، فقال له: اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به وهو يكبّر ويستغفر اللّه ويصلّي على رسوله ويقول: الّلهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأشرفوا به على موضع الحذّائين اليوم، فضربت عنقه وأتبع جسده رأسه.
وقام محمّد بن الأشعث إلى عبيد اللّه بن زياد فكلّمه في هانئ بن عروة فقال: إنّك قد عرفت منزلة هانئ في المصر وبيته في العشيرة، وقد علم قومه أنّي أنا وصاحبي سقناه إليك، فأنشدك اللّه لما وهبته لي، فإنّي أكره عداوة المصر وأهله.
۲ / ۶۴
فوعده أن يفعل، ثمّ بدا له فأمر بهانئ في الحال فقال: أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه. فاُخرج هانئ حتّى انتهي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم، وهو مكتوف، فجعل يقول: وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم، يا مذحجاه! يا مذحجاه! وأين مذحج؟! فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف، ثمّ قال: أما من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه، ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً، ثمّ قيل له امدد عنقك، فقال: ما أنا بها سخيّ، وما أنا بمعينكم على نفسي، فضربه مولى لعبيد اللّه تركي ـ يقال له: رشيد ـ بالسيف فلم يصنع شيئاً، فقال هانئ: إلى اللّه المعاد، الّلهمّ إلى رحمتك ورضوانك، ثمّ ضربه اُخرى فقتله.