۲ / ۵۸
فلمّا سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنّه قد اُتي، فخرج إليهم بسيفه، واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، ثمّ عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري، فضرب فَمَ مسلم فشقّ شفته العليا وأسرع السيف في السفلى، ونصلت۱ له ثنيتاه، وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثنّاه باُخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه، فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النار في أطنان القصب، ثمّ يلقونها عليه من فوق البيت، فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السكّة، فقال له محمّد بن الأشعث: لك الأمان، لا تقتل نفسك، وهو يقاتلهم ويقول:
أَقسَمتُ لا اُقتل إلاّ حرّا
إنّي رأيتُ الموتَ شيئاً نكرا
ويجعل البارد سخناً مرّا
ردّ شعاع الشمس فاستقرّا
كلّ امرئ يوماً ملاقٍ شرّا
أخاف أن اُكذب أو اُغرّا
فقال له محمّد بن الأشعث: إنّك لا تكذّب ولا تغرّ، فلا تجزع، إنّ القوم بنو عمك ۲ / ۵۹
وليسوا بقاتليك ولا ضائريك. وكان قد اُثخن بالحجارة وعجز عن القتال، فانبهر وأسند ظهره إلى جنب تلك الدار، فأعاد ابن الأشعث عليه القول: لك الأمان.
فقال: آمن أنا؟ قال: نعم. فقال للقوم الذين معه: لي الأمان؟ فقال القوم له: نعم، إلاّ عبيد اللّه بن العبّاس السلمي فإنّه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وتنحّى.