ولمّا دخل الحسين مكّة كان دخوله إليها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، ۲ / ۳۶
دخلها وهو يقرأ: «وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ» ثمّ نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه، ومَن كان بها مِن المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، فهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين عليهالسلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، ويأتيه بين كلّ يومين مرّة، وهو أثقل خلق اللّه على ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين عليهالسلام في البلد، وأنّ الحسين أطوع في الناس منه وأجلّ.
وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد، وعرفوا خبر الحسين عليهالسلام وامتناعه من بيعته، وما كان من ابن الزبير في ذلك، وخروجهما إلى مكّة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد، فذكروا هلاك معاوية، فحمدوا اللّه عليه، فقال سليمان:
إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّض۱ على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فأعلموه، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه.
قال: فكتبوا:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
۲ / ۳۷
للحسين بن عليّ عليهماالسلام، من سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة: سلام عليك، فإنّا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد؛ فالحمد للّه الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضىً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال اللّه دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود.