يا أخي، أنت أحبّ الناس إليَّ وأعزّهم عليَّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت أحقّ بها، تَنَحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن تابعك الناسُ وبايعوا ۲ / ۳۵
لك حمدت اللّه على ذلك، وإن أجمع الناسُ على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إنّي أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك واُخرى عليك، فيقتتلون فتكون أنت لأوّل الأسنّة، فإذا خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.
فقال له الحسين عليهالسلام: فأين أذهب يا أخي؟
قال: انزل مكّة، فإن اطمأنّت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد، حتّى تنظر ما يصير أمر الناس إليه، فإنّك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.
فقال: يا أخي، قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً.
فسار الحسين عليهالسلام إلى مكّة وهو يقرأ: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»۱، ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تَنَكَّبت الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير؛ لئلاّ يلحقك الطلب، فقال: لا واللّه، لا اُفارقه حتّى يقضي اللّه ما هو قاض.