قال: فقلت: سبحان اللّه! أنقتل الصبيان؟! إنّما هذا صبيّ، قال: فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كلّ من جاء حتّى جاء عمر بن سعد، فقال: ألا لا يدخلنّ بيت هؤاء النسوة أحد، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض، ومَن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم. قال: فو اللّه، ما ردّ أحدٌ شيئاً.
قال: فقال عليّ بن الحسين: جزيت من رجل خيراً! فو اللّه، لقد دفع اللّه عنّي بمقالتك شرّاً.
قال: فقال الناس لسنان بن أنس: قتلتَ حسينَ بن عليّ وابن فاطمة ابنة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله، قتلتَ أعظمَ العرب خطراً، جاء إلى هؤاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم، فأتِ اُمراءك فاطلب ثوابك منهم، لو أعطوكبيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلاً، فأقبل على فرسه، وكان شجاعاً شاعراً، وكانت به لوثة، فأقبل حتّى وقف على باب فسطاطِ عمر بن سعد، ثمّ نادى بأعلى صوته:
أَوقِر رِكابي فضّةً وذَهَبا
أَنا قَتَلتُ الملكَ المُحَجَّبا
قَتَلتُ خَيرُ الناسِ اُمّاً وأبا
و خَيرَهُم إذ يَنسِبونَ نَسَبا
فقال عمر بن سعد: أشهد أنّك لمجنون ما صححت قطّ! ادخلوه عليَّ، فلمّا اُدخل حذفه بالقضيب، ثمّ قال: يا مجنون، أَ تَتكلّم بهذا الكلام؟! أما واللّه، لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك.
قال: وأخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان ـ وكان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية، وهي اُمّ سكينة بنت الحسين ـ فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوك، فخلّى سبيله، فلم ينج منهم أحد غيره، إلاّ أنّ المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله وجثا على ركبتيه، فقاتل، فجاءه نفر من قومه، فقالوا له: أنت آمن، اخرج إلينا، فخرج إليهم، فلمّا قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره خبره سيّره إلى الزارة.