قال أبو مخنف: حدّثني نمير بن وعلة أنّ أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول: أنا واللّه عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه، حشأتُه سهماً، فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثَب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده وهو يقول:
إن تَعقِروا بي فأنا ابنُ الحُرِّ
أَشجَعُ مِن ذي لِبَدٍ هَزبرِ
قال: فما رأيت أحداً قطّ يفري فريَهُ، قال: فقال له أشياخ من الحيّ: أنت قتلته؟ قال: لا واللّه، ما أنا قتلته، ولكن قتله غيري، وما اُحبّ أنّي قتلته، فقال له أبو الوداك: ولِمَ؟ قال: إنّه كان زعموا من الصالحين، فو اللّه، لئن كان ذلك إثماً لأن ألقى اللّه بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليَّ من أن ألقاه بإثم قتلِ أحدٍ منهم، فقال له أبو الوداك: ما أراك إلاّ ستلقى اللّه بإثم قتلهم أجمعين، أ رايتَ لو أنّك رميتَ ذا فعقرت ذا، ورميت آخر، ووقفت موقفاً، وكررت عليهم، وحرّضت أصحابك، وكثرت أصحابك، وحمل عليك فكرهت أن تفرّ، وفعل آخر من أصحابك كفعلك، وآخر وآخر، كان هذا وأصحابه يقتلون؟ أنتم شركاء كلّكم في دمائهم.
فقال له: يا أبا الوداك، إنّك لتقنّطنا من رحمة اللّه، إن كنت وليّ حسابنا يوم القيامة فلا غفر اللّه لكَ إن غفرتَ لنا! قال: هو ما أقول لك.
۵ / ۴۳۸
قال: وقاتلوهم حتّى انتصف النهار أشدّ قتال خلقه اللّه، وأخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلاّ من وجه واحد؛ لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض. قال: فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم.