فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، وأرسل إلى الناس يعزم عليهم ألاّ يبارز رجل منكم رجلاً منهم.
قال أبو مخنف: حدّثني الحسين بن عقبة المرادي، قال: الزبيدي:
أنّه سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول: يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام.
فقال له الحسين: يا عمرو بن الحجّاج، أ عليَّ تحرّض الناس؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه؟ أما واللّه، لتعلمنّ لو قد قبضت أرواحكم، ومتّم على أعمالكم، أيّنا مرق من الدين، ومَن هو أولى بصلّي النار!
قال: ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أوّل أصحاب الحسين، ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه، وارتفعت الغبرة، فإذا هم به صريع، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق، فقال: رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة، «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً».
و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عزّ عليَّ مصرعك يا مسلم، ابشر بالجنّة، فقال ۵ / ۴۳۶
له مسلم قولاً ضعيفاً: بشرّك اللّه بخير! فقال له حبيب: لو لا أنّي أعلم أنّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه، لأحببت أن توصيني بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين.
قال: بل أنا اُوصيك بهذا رحمك اللّه ـ وأهوى بيده إلى الحسين ـ أن تموت دونه، قال: أفعل وربّ الكعبة، قال: فما كان بأسرع من أن مات في أيديهم.
و صاحت جارية له فقالت: يا بن عوسجتاه! يا سيّداه! فتنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج: قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي، فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه: ثكلتكم اُمّهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلّلون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أما والذي أسلمت له لَرُبَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم! لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين، أ فيقتل منكم مثله وتفرحون؟!