قال أبو مخنف: وحدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن أبي سعد المقبري، قال: نظرت إلى الحسين داخلاً مسجد المدينة، وأنّه ليمشي وهو معتمد على رجلين، يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة، وهو يتمثّل بقول ابن مفرغ:
لا ذَعَرتُ السوامَ في فَلَق الصبحِ
مُغيراً ولا دُعيتُ يَزيدا
يَومَ اُعطَى من المهابةِ ضَيماً
والمنايا يَرصُدَنني أن أحيدا
قال: فقلت في نفسي: واللّه، ما تمثّل بهذين البيتين إلاّ لشيء يريد، قال: فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة.
ثمّ إنّ الوليد بعث إلى عبداللّه بن عمر فقال: بايع ليزيد، فقال: إذا بايع الناس بايعت، فقال رجل: ما يمنعك أن تبايع؟ إنّما تريد أن يختلف الناس فيقتتلوا ويتفانوا، فإذا جهدهم ذلك قالوا: عليكم بعبداللّه بن عمر، لم يبق غيره، بايعوه! قال عبداللّه: ما اُحبّ أن يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن إذا بايع الناس ولم يبقَ غيري بايعت، قال: فتركوه وكانوا لا يتخوّفونه.
۵ / ۳۴۳
قال: ومضى ابن الزبير حتّى أتى مكّة وعليها عمرو بن سعيد، فلمّا دخل مكّة قال: إنّما أنا عائذ، ولم يكن يصلّي بصلاتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، كان يقف هو وأصحابه ناحية، ثمّ يفيض بهم وحده، ويصلّي بهم وحده.
قال: فلمّا سار الحسين نحو مكّة، قال: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»۱، فلمّا دخل مكّة قال: «وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ»۲