قال: فأقبل حتّى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له: قرّة بن قيس، فقال: يا قرّة، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: إنّما تريد أن تسقيه؟ قال: فظننت واللّه أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، وكره أن أراه حين يصنع ذلك، فيخاف أن أرفعه عليه، فقلت له: لم أسقه، وأنا منطلق فساقيه.
قال: فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، قال: فو اللّه، لو أنّه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.
قال: فأخذ يدنو من حسين قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا بن يزيد؟ أ تريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء، فقال له يا بن يزيد؟ أ تريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرَوَاء۱، فقال له: يا بن يزيد، واللّه، إنّ أمرك لمريب، واللّه، ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟!
قال: إنّي واللّه اُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، وو اللّه، لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطّعت وحرّقت، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين عليهالسلام، فقال له: جعلني اللّه فداك يا بن رسول اللّه! أنا صاحبك الذي حبستُك عن الرجوع، وسايرتُك في الطريق، ۵ / ۴۲۸
وجعجعتُ بك في هذا المكان، واللّه الذي لا إله إلاّ هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضتَ عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا اُبالي أن اُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، وو اللّه، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أ فترى ذلك لي توبة؟