۵ / ۴۲۴
فقال الحسين: مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم، أصلحك اللّه! هو هو، فقال: يا بن راعية المعزى، أنت أولى بها صلياً.
فقال له مسلم بن عوسجة: يا بن رسول اللّه، جعلت فداك! ألا أرميه بسهم، فإنّه قد أمكنني، و ليس يسقط منّي سهم، فالفاسق من أعظم الجبّارين؟
فقال له الحسين: لا ترمه، فإنّي أكره أن أبدأهم، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقاً حمل عليه ابنه عليّ بن الحسين.
قال: فلمّا دنا منه القوم عاد براحلته فركبها، ثمّ نادى بأعلى صوته دعاء يسمع جل الناس:
أيّها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما لحقٍّ لكم عليّ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري، وصدّقتم قولي، وأعطيتموني النَصَفَ، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم «فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَ لاَ تُنظِرُونِ»۱، «إِنَّ وَلِيِّىَ اللَّهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ»۲.
قال: فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين، وبكى بناته فارتفعت أصواتهنّ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن عليّ وعليّاً ابنه، وقال لهما: اسكتاهنّ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ.
قال: فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ قال: لا يبعد ابن عبّاس، قال: فظننّا أنّه إنّما قالها حين سمع بكاؤهنّ؛ لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ. فلمّا سكتن حمد اللّه وأثنى عليه، وذكر اللّه بما هو أهله، وصلّى على محمّد صلىاللهعليهوآله وعلى ملائكته وأنبيائه، فذكر من ذلك ما اللّه أعلم وما لا يحصى ذكره.