وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة، خرج ليلة السبت، فأخذ طريق الفرع، فبينا عبداللّه بن الزبير يساير أخاه جعفراً إذ تمثّل جعفر بقول صبرة الحنظلي:
وكلّ بني اُمّ سَيُمسُون ليلةً
ولم يَبقَ من أعقابِهم غَيرُ واحد
فقال عبداللّه: سبحان اللّه! ما أردت إلى ما أسمع يا أخي؟! قال: واللّه يا أخي، ما أردت به شيئاً ممّا تكره، فقال: فذاك واللّه أكره إليَّ أن يكون جاء على لسانك من غير تعمّد ـ قال: وكأنّه تطيّر منه.
وأمّا الحسين فإنّه خرج ببنيه وإخوته وبني أخيه وجلّ أهل بيته، إلاّ محمّد بن الحنفية، فإنّه قال له: يا أخي، أنت أحبّ الناس إليَّ، وأعزّهم عليَّ، ولستَ أدَّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك، تنحّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدت اللّه على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك، ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إنّي أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس، فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة، فإذا خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً، واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.
۵ / ۳۴۲
قال له الحسين: فإنّي ذاهب يا أخي، قال: فانزل مكّة، فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لحقت بالرمال، وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتّى تنظر إلى ما يصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فإنّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تستقبل الاُمور استقبالاً، ولا تكون الاُمور عليكأبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً.
قال: يا أخي، قد نصحت فأشفقت، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً.