قال: فلمّا فرغ الحسين دخلنا فأطلينا.
قال: ثمّ إنّ الحسين ركب دابّته ودعا بمصحف فوضعه أمامه، قال: فاقتتل أصحابه بين يديه قتالاً شديداً، فلمّا رأيت القوم قد صُرِعوا أفلّت وتركتهم.
قال أبو مخنف، عن بعض أصحابه، عن أبي خالد الكاهلي، قال: لمّا صبّحت الخيل الحسينَ رفع الحسين يديه، فقال: اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم مِن همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته و كشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبه].
قال أبو مخنف: فحدّثني عبداللّه بن عاصم، قال: حدّثني الضحّاك المشرقي، قال: لمّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلاّ يأتونا من خلفنا، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة، فلم يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا، فنظر إلى أبياتنا، فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النار فيه، فرجع راجعاً، فنادى بأعلى صوته: يا حسين، استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة!