قال: فنظر إليها الحسين عليهالسلام فقال: يا اُخيّة، لا يذهبنّ حلمك الشيطان. قالت: بأبي أنت واُمّي يا أبا عبداللّه! استقتلت نفسي فداك؟
فردّ غصّته، وترقرقت عيناه، وقال: لو ترك القطا ليلاً لنام. قالت: يا ويلتي، أفتغصب نفسك اغتصاباً! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي! ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها.
فقام إليها الحسين فصبَّ على وجهها الماء، وقال لها: يا اُخيّة، اتّقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه،، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأنّ كُلَّ ۵ / ۴۲۱
شَيْءٍ هالِكٌ إلاّ وجه اللّه الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير منّي، واُمّي خير منّي، وأخي خير منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول اللّه اُسوة.
قال: فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا اُخيّة، إنّي اُقسم عليك فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت.
قال: ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي، وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا هم بين البيوت إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.
قال أبو مخنف: عن عبداللّه بن عاصم، عن الضحّاك بن عبداللّه المشرقي، قال: فلمّا أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون، ويدعون ويتضرّعون، قال: فتمرّ بنا خيل لهم تحرسنا، وأن حسيناً ليقرأ: «وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأِّنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»۱، فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا، فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون، ميّزنا منكم.