قال: وقال سعيد بن عبداللّه الحنفي: واللّه، لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنّا حفظنا غيبة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فيك، واللّه، لو علمت أنّي اُقتل، ثمّ أحيا، ثمّ اُحرق حيّاً، ثمّ اُذر، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك! وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!.
قال: وقال زهير بن القين: واللّه، لوددت أنّي قُتلت، ثمّ نُشرت، ثمّ قُتلت حتّى ۵ / ۴۲۰
اُقتل كذا ألف قتله، وأنّ اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤاء الفتية من أهل بيتك.
قال: وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد، فقالوا: واللّه، لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا، وقضينا ما علينا.
قال أبو مخنف: حدّثني الحارث بن كعب وأبو الضحّاك، عن عليّ بن الحسين بن عليّ قال: إنّي جالس في تلك العشيّة التي قتل أبي صبيحتها، وعمّتي زينب عندي تمرّضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده حُوَيّ، مولى أبي ذرّ الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دَهرُ اُفٍّ لَكَ من خليلِ
كَم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
مِن صاحبٍ أو طالبٍ قتيلِ
و الدهرُ لا يَقنَعُ بالبديلِ
و إنّما الأمرُ إلى الجليلِ
و كُلّ حيِّ سالكُ السبيل
قال: فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتّى فهمتها، فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي ولزمت السكون، فعلمت أنّ البلاء قد نزل.
فأمّا عمّتي فإنّها سمعتْ ما سمعتُ، وهي امرأة وفي النساء الرقّة والجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها، وأنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه، فقالت: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة اُمّي وعليّ أبي وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي.