قال أبو مخنف: فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان، قال: ۵ / ۴۱۴
صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق، ولم اُفارقه حتّى قتل، و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة، ولا بمكّة، ولا في الطريق، ولا بالعراق، ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها ألا واللّه، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس.
قال أبو مخنف: حدّثني المجالد بن سعيد الهمداني والصقعب بن زهير، أنّهما كانا التقيا مراراً ثلاثاً أو أربعاً، حسين وعمر بن سعد، قال: فكتب عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد:
أمّا بعد؛ فإنّ اللّه قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الاُمّة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين، فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضاً، وللاُمّة صلاح.
قال: فلمّا قرأ عبيد اللّه الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره، مشفق على قومه. نعم، قد قبلت.
قال: فقام إليه شمر بن ذي الجوشن، فقال: أ تقبل هذا منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك؟! واللّه، لئن رحل من بلدك، ولم يضع يده في يدك، ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزله فإنّها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك، واللّه، لقد بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة الليل، فقال له ابن زياد: نِعَم ما رأيت! الرأي رأيك.