قال: يا بنيّ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنَّ لي فارس على فرس فقال: القوم ۵ / ۴۰۸
يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا، قال له: يا أبت، لا أراك اللّه سوءاً، أ لسنا على الحقّ؟
قال: بلى والذي إليه مرجع العباد، قال: يا أبتِ، إذاً لا نبالي، نموت محقّين، فقال له: جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.
قال: فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجّل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه، فجعل إذا ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون حتّى انتهوا إلى نينوى، المكان الذي نزل به الحسين.
قال: فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكّب قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه، ولم يسلّم على الحسين عليهالسلام وأصحابه، فدفع إلى الحرّ كتابا من عبيد اللّه بن زياد فإذا فيه:
أمّا بعد؛ فجَعجِع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام.
قال: فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحرّ: هذا كتاب الأمير عبيد اللّه بن زياد يأمرني فيه أن اُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره ألاّ يفارقني حتّى اُنفّذ رأيه وأمره.
فنظر إلى رسول عبيدِ اللّه يزيدُ بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثمّ البهدلي، فعنّ له، فقال: أ مالك بن النسير البدّيّ؟ قال: نعم ـ وكان أحد كندة ـ فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال: وما جئت فيه! أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي، فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربّك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، كسبتَ العارَ والنارَ، قال اللّه عز و جل: «وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ»۱، فهو إمامك.