قال: فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: تكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا: لا، بل تكلّم، فحمد اللّه فأثنى عليه، ثمّ قال: قد سمعنا هداك اللّه يا بن رسول اللّه مقالتك، واللّه، لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.
قال: فدعا له الحسين، ثمّ قال له خيراً، وأقبل الحرّ يسايره وهو يقول له: يا حسين، إنّي اُذكّرك اللّهَ في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى.
فقال له الحسين: أ فبالموتِ تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني! ما أدري ما أقول لك؟! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، ولقيه وهو يريد نصرة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله، فقال له:
أين تذهب فإنّك مقتول؟ فقال:
سَأَمضي وما بالَموتِ عارٌ عَلى الفَتى
إذا ما نَوى حَقّاً وجَاهَدُ مُسلما
و آسى الرجالَ الصالحينَ بنفسِهِ
و فارقَ مثبوراً يَغُشُّ ويُرغما
قال: فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه، وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في ناحية اُخرى، حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات، وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم، يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عديّ على فرسه، وهو يقول:
۵ / ۴۰۵
يا ناقِتَي لا تُذعري مِن زَجري
و شَمّري قَبلَ طلوعِ الفَجرِ
بِخَيرِ رُكبانٍ وخَير سَفرِ
حتّى تَحِلّي بكريمِ النَّجرِ